في هذا الكتاب "مشكلة التقدم بين السنن الكونية والسنن القرآنية" يقدم لنا خلاصة تفكيره، وثمرة ثقافته، ونتائج دراسته الطويلة العريضة لتاريخ المسلمين وواقعهم، ويأتي ذلك بعد (الربيع العربي) الذي كان من نتائجه حتى لحظة تأليف الكتاب تغير نظام الحكم في بلدين عربيين
أنت هنا
قراءة كتاب مشكلة التقدم بين السنن الكونية والسنن القرآنية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

مشكلة التقدم بين السنن الكونية والسنن القرآنية
الصفحة رقم: 5
وهذا التقسيم على العكس من تقسيم التاريخ الإسلامي الذي يتألق في القرون العشرة الوسيطة التي تبدأ من القرن السابع الميلادي وتنتهي في القرن السابع عشر الميلادي، ففي هذه القرون العشرة كما يقول (ول ديورانت) كان المسلمون هم أساتذة العالم بلا منازع.. ومع ذلك تتجاهل الحضارة الأوربية أستاذية المسلمين هذه.
ومع بداية القرن الثامن عشر بدأ المسلمون ينامون، وكان الأوربيون قد اقتبسوا حضارتهم الإسلامية من خلال معايشتهم للمسلمين في الأندلس قريباً من ثمانية قرون، وفي الحروب الصليبية لأكثر من قرنين، ومن حركة التجارة العالمية، ومن جزر البحر الأبيض المتوسط مثل صقلية ورودس وكريت وغيرها.
* * *
ويبقى بعد ذلك أنه لابد من وجود إطار موضوعي لمصطلح التقدم ينتظم الحضارات كلها، من فوق كل هذه الأطر الذاتية؛ اعتماداً على القواسم المشتركة ومقومات التقدم العامة وشروط النهضة.
ومن الصعب أن يقوم تقدم بدون وجود فكر أو عقيدة أو هدف مستقبلي يلتقي حوله الناس سواء أكانت هذه الفكرة أو العقيدة حقاً أم باطلاً.
ومع التطور وقيام النهضة المادية أو الروحية أو هما معاً، يقع التمحيص الذي وضعه الله في فطرة الكون، والوارد في قوله تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ)( ). وبالتالي تبقى وتزدهر الحضارة حتى وإن تعرضت لبعض فترات الضعف، تلك الحضارة القائمة على الحق، بينما تسقط في أول اختبار الحضارة القائمة على الباطل.
فالعقيدة هي الركن الأول لتحقيق التقدم، والإنسان هو الركن الثاني والمركزي الضروري لعملية التقدم. وتأتي الأرض أو المساحة الترابية والجغرافية الكافية لإقامة الزراعة والتصنيع والتجارة وغيرها من نشاطات الحياة هي الركن الثالث، ويأتي الزمن الذي يساوي عمر الإنسان هو الروح التي تمشي في كل ذلك؛ فلا إبداع ولا حضارة بدون زمن.
وكل هذه المنظومة تتجه إلى الهدف المنشود لتحقيقه، وهو أن تبني تقدماً لائقاً بإنسانية الإنسان، لا نقول إنه تقدم معصوم من الزلل أو الخطأ، فليس هذا من طبيعة البشر، كما أن سنن الله الكونية والاجتماعية تتحمل في الإنسان نسبة محدودة من السلبية والخطأ والمرض ليستمر التقدم فاعلاً وإيجابياً.