نحمدك اللهم ونستهديك، ونستعين بك ونتوكل عليك، ونصلي ونسلم صلاة طيبة زاكية مباركة، على من ختمت به الشرائع وأرسلته رحمة للعالمين–سيدنا محمد(ص)- وعلى صحابته الذين اصطفيتهم من خلقك، وائتمنتهم على تبليغ شرعك إلى الناس كافّة.
أنت هنا
قراءة كتاب الاسناد الصحيح المتصل من خصائص الأمة الإسلامية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
مقدمة
نحمدك اللهم ونستهديك، ونستعين بك ونتوكل عليك، ونصلي ونسلم صلاة طيبة زاكية مباركة، على من ختمت به الشرائع وأرسلته رحمة للعالمين–سيدنا محمد- وعلى صحابته الذين اصطفيتهم من خلقك، وائتمنتهم على تبليغ شرعك إلى الناس كافّة. اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، وآته الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته؛ إنّك لا تخلف الميعاد.!
أمّا بعد:
فإنّ السنة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر الشريعة الإسلامية، وتأتي بعد القرآن الكريم في المنزلة: فهي مفسّرة له ومبينة. وحين نلقي نظرة في التشريعات الإسلامية، نرى أكثرها كان مبنيا على السنة النبوية. ولا ريب أنّ السنة هذه ثروة كبيرة واسعة زاخرة، تُستنبط منها الأحكام التشريعية، ويُؤخذ منها ما يحتاجه الناس في كل زمان وفي كل مكان، وقد سجلت كل كبيرة وصغيرة من سيرة النبي وهديه في الأقوال والأفعال، وبخاصّة بعد أن أكرمه الله بالنبوة. لقد كانت الدقة في تسجيل سيرته وتبيان سنته في التشريع والأخلاق، تُعدُّ خصيصة من خصائص الأمّة الإسلامية تفقدها سائر الأمم، وهيهات أن نجد نبيا من الأنبياء أو رسولا من الرسل فضلا عن غيرهم اهتمّ أتباع أي واحد كان منهم بكتابة سيرة ذلك النبي أو الرسول، وتبيان أحكامه وتوجيهاته بالسند الصحيح المتصل، كما نجد ذلك في الأمّة الإسلامية. وكان الفضل في ذلك لفرسان الأسانيد الذين تحمّلوا التعب والنصب، وحرموا أنفسهم من الراحة، من أجل تبيان صحيح الحديث من ضعيفه وموضوعه؛ إذ لولاهم لضاع الكثير من منهاج النبي وتشريعاته وأخلاقه. أجل، إنّ السنة النبوية تحتوي على أصول مهمة في التشريعات والقيم والمثل، بلّغها النبي الكريم في ثلاث وعشرين سنة هذه الثروة من السنة قيّض الله لها من يهتم بها منذ فجر الإسلام الأوّل: إنّهم فرسان الأسانيد. وكل من يتأمّل باهتمام المسلمين بالإسناد منذ ذلك الوقت، يُدرك أنّ الله تكفّل بحفظ سائر الوحي إلى نبيّه محمد من إفك الدساسين وافتراء المفترين كما تكفّل بحفظ القرآن الكريم قال تعالى:
ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ سورة الحجر/ ٩
وإذا كان من العلماء من ادعى بأنّ الله تكفّل بحفظ القرآن الكريم وحده ولم يتكفّل بحفظ سائر الوحي الذي ليس بقرآن؛ فإنّ ابن حزم الظاهري ردّ على هذه الدعوى فقال:
((هذه دعوى كاذبة، مجرّدة عن البرهان، وتخصيص للذكر بلا دليل،وما كان هكذا فهو باطل لقوله تعالى: ﭽﯵﯶﯷﯸﯹ ﯺﭼ؛ فصحّ أنّ من لا برهان له على دعواه، فليس بصادق فيها. والذكر: اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيّه من قرآن أو من سنّة وحي يبين بها القرآن. وأيضا فإنّ الله تعالى يقول: ﭽﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ؛ فصحّ أنّه عليه السلام مأمور ببيان القرآن للناس))( ).
وهكذا قيّض الله لسنة نبيّه رجالا ذوي حافظة لا مثيل لها بين الأمم، طافوا شتى الأقطار والأمصار طلبا للحديث الشريف بإسناده، وتحمّلوا من التعب والنصب ما لم يتحمّله غيرهم، وأنفقوا في سبيل ذلك ما كان معهم من مال، فمحّصوا أسانيد الأحاديث النبوية، ودرسوا حياة كل راو من الرواة، ووضعوا القواعد في الجرح والتعديل، وأوجدوا الضوابط للحكم على الحديث بالصحة أو السقم؛ فجاءوا بعلم لم يسبقهم إليه سابق.
وهذا البحث يميط اللثام عن جانب مهم من جوانب اهتمام سلفنا بالإسناد، وبخاصّة ما قام به التابعون. ولا يفوتني أن أذكر أنّي أفدت في كتابة هذا البحث من الكتاب الممتع (الإسناد من الدين) للشيخ الفاضل عبد الفتاح أبو غدّة رحمه الله! داعيا من الله أن ينفعني به وينفع قارئه، ومن الله –وحده- السداد والتوفيق.