الحمد لله، الواحد الديّان، الكريم المنّان، خلق الإنسان، علّمه البيان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد؛ كان خُلُقه القرآن، فأرشد المسلمين إلى سبيل الإسلام والإيمان والإحسان، وعلى آله وأصحابه وأتباعه؛ حملة الراية، وأتباع الرسالة. ..... وبعد؛
أنت هنا
قراءة كتاب عقد الجمان في أحكام القرآن
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
عقد الجمان في أحكام القرآن
التفسير الفقهي للقرآن الكريم
القرآن كتاب الله الخالد؛ أنزله على قلب النبي محمد ( شاملاً كاملاً؛ متضمّناً الكثير من الأحكام الفقهية؛ التي تصلح شؤون العباد، وتهديهم سبيل الرشاد؛ قال الله تعالى: {إنَّ هَذَا القرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أنَّ لَهُمْ أجْراً كَبِيراً}1؛ ولذا كانت هذه الآيات الشريفة مناط بحث العلماء المتخصصين على مرّ الدهور والعصور، وكانت أساليب المسلمين متمايزة بعض الشيء في كيفية فهم النص القرآني؛ من أجل استنباط الأحكام الفقهية المناسبة منه، وقالوا: ينبغي لطالب العلم أن يتعلم أحكام القرآن؛ فيفهم عن الله مراده وما فرض عليه؛ فينتفع بما يقرأ ويعمل بما يتلو.
ولقد كان الصحابة الكرام يفهمون ما تحمله الآيات القرآنية من الأحكام الفقهية بسهولة ويسر؛ وذلك لأسباب كثيرة؛ منها:
1. أن القرآن نزل بلغتهم وعلى مقتضى سليقتهم العربية؛ قال الله تعالى: {إنَّا أنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، تلك اللغة التي كانوا يُقيمون بها أسواقهم؛ شعراً ونثراً، ويتنافسون في بيان محاسنها، وسبر غورها، واستخراج كنوزها، من بحرها الغني العميق.
2. وجود النبي ( بين أظهرهم؛ يحلّ لهم الإشكال؛ فعَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ( قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ {وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}قَالَ أصْحَابُهُ: وَأيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ؟ فَنَزَلَتْ {إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
3. وقوفهم على أسباب النزول، ومعرفتهم بكل آية منه؛ كيف نزلت، ومتى نزلت، وأين نزلت.
ومن ثَمّ يمكننا أن نقول: إن التفسير الفقهي لآيات الأحكام نشأ متزامناً مع نزول الآيات بالاتفاق.
والتحق النبي ( بالرفيق الأعلى، وتركهم على بيضاء نقيّة؛ ليلها كنهارها، ولكنّ الأمر اختلف؛ إذ جدّت بعض الحوادث التي تتطلب من المسلمين حُكماً مناسباً موافقاً للقرآن والسنة، مما حدا بهم أن يرجعوا إلى مصادر التشريع آنذاك؛ وهي:
1. القرآن الكريم؛ يعرضون الآيات على بعضها، وينظرون في العام والخاص معاً، والمطلق والمقيد معاً، والمُجمل والبيان، وهكذا...
2. السنة النبوية؛ فإنها مفسرة للقرآن، ومبيّنة للمُبهم فيه، وتحلّ الإشكال المتبادر بادئ الأمر؛ ولذلك كانوا يلجأون إليها.
3. الاجتهاد على ضوء القواعد الكلية؛ كالقياس، والمصالح المرسلة والاستحسان، وغير ذلك.
وكانت النتيجة المُتوقعة التي يرجوها المسلمون من أصحاب النبي (؛ إذ اتفقوا على أكثر الأشياء، واختلفوا في بعضها؛ كما في عدة المتوفى عنها زوجها؛ فقد قال سبحانه:{وَالَّذِينَ يُتَوَفوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأنفُسِهِنَّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإذَا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير}، وقال سبحانه: {وَأوْلاتُ الأحْمَالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أمْرِهِ يُسْرًا}؛ واختلفت في تفسير هذه الآيات أقوالُهم، ولم تختلف قلوبهم؛ فقد ورد (أنَّ أبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنَ عَبَّاسٍ اجْتَمَعَا عِنْدَ أبِي هُرَيْرَةَ وَهُمَا يَذْكُرَانِ المَرْأةَ تُنْفَسُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِدَّتُهَا آخِرُ الأجَلَيْنِ، وَقَالَ أبُو سَلَمَةَ: قَدْ حَلَّتْ، فَجَعَلا يَتَنَازَعَانِ ذَلِكَ قَالَ: فَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: أنَا مَعَ ابْنِ أخي - يَعْنِى أبَا سَلَمَةَ - فَبَعَثُوا كُرَيْباً - مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - إلَى أمِّ سَلَمَةَ يَسْألُهَا عَنْ ذَلِكَ فَجَاءَهُمْ فَأخْبَرَهُمْ أنَّ أمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: إنَّ سُبَيْعَةَ الأسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، وَإنَّهَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ( فَأمَرَهَا أنْ تَتَزَوَّجَ)، ففهم الصحابة أن النص الأول في غير الحامل؛ إن توفي عنها زوجها، والثاني في أولات الأحمال.