أنت هنا

قراءة كتاب الحرب العالمية الثانية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الحرب العالمية الثانية

الحرب العالمية الثانية

كتاب "الحرب العالمية الثانية" للكاتب د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

الفصل الثاني

المؤامرات الـتي قادت إلى الحرب العالمية الثانية

(الصهيونية ودورها في إذكاء الحرب)
لكي ندرك الأسباب التي ساعدت على ظهور هتلر، يجب أن نلم بالمؤامرات السياسية التي حيكت في الفترة التي ما بين 1924 - 1934م.
إذا استثنينا الشيوعيين الألمان، نجد أن أكثرية الشعب الألماني كانت تتفق على أن ألمانيا لم تكن لتنهزم في الحرب العالمية الأولى، لولا الخيانة التي جعلتها ضحية الحرب، وأن الممولين الدوليين هم الذين استعملوا ما يسمى بالديمقراطية في كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية لفرض الهزيمة على القوات المسلحة الألمانية، وأن الحزب الشيوعي بقيادة اليهود وبمساعدة الممولين الدوليين، هو السبب في خلق حالة الفوضى التي سبقت توقيع الهدنة، وفي قيام الثورة بعدها.
واتفق الجميع أن على كل وطني ألماني، ذكرا كان أم أنثى، أن يعمل أقصى جهده لبناء ألمانيا بعد الحرب، ولتحطيم الأغلال الاقتصادية والعسكرية التي فرضتها معاهدة فرساي على أمتهم.
وإذا استثنيا الشيوعيين مرة أخرى، نجد أن أكثرية الزعماء السياسيين الألمان كانوا يتفقون على وجوب تحرير أنفسهم من الاتفاقيات الاقتصادية، المفروضة على أمتهم من قبل الممولين والمرابين الدوليين.
لقد أدرك الزعماء الألمان خطر هذه الاتفاقيات على استقلال البلاد، لأن الفوائد المفروضة على القروض المالية بموجب هذه الاتفاقيات ستؤدي حتما إلى وقوع البلاد في براثن دائنيها، تماما كما وقعت بريطانيا عام 1694، وفرنسا عام 1790، والولايات المتحدة عام 1791 فرائس في أيدي المرابين العالميين. وعلم الجميع أن مثل هذه القروض ستكون دينا واستبعادا لكل أفراد الشعب، لأن تسديدها لن يكون إلا بفرض مزيد من الضرائب، يدفعها المواطنون جميعا.
عندئذ، صمم قادة الحزب الفاشي على خلق عملة ألمانية لا تستند إلى القروض، بل تعتمد على الدخل القومي والممتلكات الوطنية، وعلى موارد الصناعة والزراعة والثروات الطبيعية، وعلى الطاقة الإنتاجية للأمة. ووجد الشعب الألماني بصورة عامة، أنه يشارك شعوب إيطاليا وأسبانيا واليابان آمالهم وأمانيهم في المستقبل السياسي والاقتصادي لهذه البلدان، فظهر حلف المحور إلى الوجود، وبدأت الحركة الفاشية التي تزعمها هتلر وموسوليني وفرانكو.
وينقل لنا التاريخ الجهود الضخمة التي بذلها هؤلاء الثلاثة لإعادة بناء بلادهم، والنهوض بها من الأزمات والثورات والحروب التي وقعت فيها. فلقد طوروا الصناعة والزراعة بشكل يشبه المعجزات. أما نجاح عملية إعادة البناء العسكري، فيعود إلى المساعدة التي قدمها عملاء النورانيين الذين كانوا يخططون لإيقاع البلاد الفاشية والبلاد الرأسمالية في حرب عالمية أخرى.
أيّد كل من هتلر وموسوليني السياسة الفاشية المعتدلة بادئ الأمر، وقررا إصلاح الفساد وتطهير البلاد من الشيوعية، وتخليصها من تحكم النورانيين بصناعتها واقتصادها بشكل عام.. ولكن ما إن تقدم الوقت، حتى وقعا معا تحت تأثير لوردات الحرب النازيين، الذين ادعوا أن سلاما دائما لا يمكن أن يستتب في العالم، إلا عن طريق الاحتلال العسكري.
وهكذا بيعت القيادة العسكرية العليا في إيطاليا واليابان لمؤيدي مخطط ونظريات كارل ريتر التي نشرها عام 1849.. أما فرانكو فلم يقبل أن يبقى ضمن المخطط، لأن معتقداته الدينية وإيمانه جعلاه يؤمن بأن كل أيديولوجية تنكر وجود الله هي في صف الشيطان وتعمل معه. وشمل المخطط تصفية الممولين الدوليين وكبار الرأسماليين والاستيلاء على أموالهم وممتلكاتهم.
وفي الوقت الذي كان هتلر ما يزال يعاني عذاب السجن قبل عام 1934، لأنه كان يعتبر العدو اللدود للوردات الحرب النازيين والممولين الدوليين، كتب كتابة «كفاحي» حيث يقول في الصفحة الأخيرة: «وبهذا يقف الحزب الاشتراكي الوطني موقفا إيجابيا من المسيحية، ولكنه لا يترك أمور العقيدة لجماعة من المحترفين، ومن جهة أخرى يحارب الروح المادية اليهودية المتغلغلة في نفوسنا وفي نفوس الآخرين».
وكان هتلر قد أعلن سياسته بالنسبة لبريطانيا قبل ذلك في عام 1933، مشيرا إلى أن ماركس وستالين ولينين قد أكدوا مرارا أنه قبل أن تتوصل الشيوعية العالمية إلى هدفها الأخير، يجب عليها أن تدمر بريطانيا وإمبراطوريتها. وقال هتلر في معرض حديثه في ذلك الوقت: «إنني على استعداد للدفاع عن الإمبراطورية البريطانية بالقوة إذا دعت الحاجة».
أما عن معاهدة فرساي، فقد كتب هتلر يقول: «إنها لم تكن لمصلحة بريطانيا، ولكنها كانت أولا وأخيرا في صالح اليهود لتدمير ألمانيا». وكتب أيضا: «وحتى في بريطانيا نفسها، هناك صراع دائم بين ممثلي المصلح البريطانية ومصالح الديكتاتورية اليهودية العالمية.. وفيما تعمل بريطانيا جاهدة لأخذ مكانتها في العالم، نجد أن اليهود في داخلها يشكلون لها المتاعب والمشاكل، لذلك سيبدأ الكفاح ضد الخطر اليهودي العالمي في بريطانيا، في نفس الوقت الذي يبدأ في غيرها من البلدان».
ولم يغير هتلر رأيه الشخصي بشأن التحالف مع بريطانيا أبدا. لقد كان يعلم أن بقاء ألمانيا كقوة كبرى يعتمد على التحالف مع الإمبراطورية البريطانية.. لذلك بدأ الإعداد لحملة التحالف عام 1936، فرتب محادثات غير رسمية بين الدبلوماسيين البريطانيين والألمان. ولما فشلت المحادثات في تكوين التحالف الذي كان يسعى جهده لتحقيقه، قال: «تهون كل التضحيات في سبيل التحالف مع بريطانيا. هذا التحالف يجلب التأييد لمستعمراتنا، ويجعل إلى جانبنا قوة بحرية عظيمة، كما يوفر علينا الدخول في منافسة مع الصناعة البريطانية».
وقد أدى هذا الفشل في التحالف مع بريطانيا، إلى تضاعف معارضة «الإيديولوجية التوتاليتارية» التي كان ينادي بها المتطرفون من لوردات الحرب النازيين. واقتنع هتلر، بعد فشل المحادثات، أنه لا يمكن للسياسة المعتدلة أن توقف سيطرة المرابين الدوليين على سياسة بريطانيا الخارجية. وهكذا اضطر هتلر للاعتراف بصدق كارل ريتر عندما قال: «لكي يعود السلام وتعود الحرية الاقتصادية إلى العالم، يجب أولا القضاء على الممولين اليهود، وعلى جميع أعضاء الحركة الثورية العالمية، الذين يوجهون الشيوعية ويسيطرون عليها».
في المحادثات التي جرت بين بريطانيا وألمانيا في كانون الثاني من عام 1936، مثل الأولى اللورد لندندري، ومثل الثانية غورنغ وهتلر نفسه. في هذه المحادثات، شرح الهر غورنغ تفاصيل وتاريخ الحركة الثورية العالمية كما فصلها البروفيسور كارل ريتر وغيره. ثم حاولا إقناعه بضرورة استعمال الحرب الشاملة في وجه مثل هذه العقلية الديكتاتورية. وفصلا له الخطة الألمانية التي تقضي باحتلال جميع الدول الشيوعية وتحرير شعوبها وإعدام جميع الخونة فيها. وقدّما له الوثائق التي تبرهن عن ارتباط الشيوعية بكبار أغنياء اليهود، الذين يوجهون حركتها ويمولونها، كما يوجهون ويمولون في نفس الوقت الصهيونية السياسية، للوصول إلى هدفهم السري المنشود وهو التحضير للعهد الذي سيرجع مسيحهم المنقذ إلى الأرض.
كما أن هتلر وعد بالوقوف في وجه الخطط المتطرفة للوردات الحرب النازيين، كما وعد بتحديد نشاطه ضد الشيوعية داخل القارة الأوروبية فقط، شرط أن تدخل بريطانيا في حلف مع ألمانيا. ولكن اللورد لندندري أبدى شكه في أن تشارك الحكومة البريطانية في خطة تقضي بإفناء الشيوعية، وأنها ستعتبرها عملية إفناء بشرية. عندئذ عرض هتلر حلا وسطا. قال إن ألمانيا ستقوم وحدها بهذه المهمة، شرط أن تدخل بريطانيا معها في اتفاقية بألا تقوم حرب بين البلدين لمدة عشر سنوات مهما كانت الظروف. وأوضح هتلر أن الطريق الوحيد لاستقلال بريطانيا وفرنسا وروسيا هو بالاستقلال الاقتصادي، وأن على هذه البلدان أن تنفض عن كاهلها تلك الديون الباهظة، وتتسلم زمام اقتصادها بذاتها، حتى يعود الاقتصاد العالمي إلى حالته الطبيعية. ثم بين أن الهدف الذي يسعى إليه حزبه الاشتراكي الوطني، هو أن يضع حلا جذريا مباشرا لنفوذ المرابين وسيطرتهم على الشؤون الوطنية الداخلية والعالمية.
وهنا دعم غورنغ رأي هتلر، مشيرا إلى أن التاريخ يبين كيف استطاع اليهود الأغنياء وذوو النفوذ أن يتحكموا باقتصاد وسياسة الدول التي تمكنوا من التسرب إليها. وقد حققوا ذلك بوسائل غير مشروعة وطرق فاسدة ومفسدة. عندئذ استشهد الهر فون ربنتروب بما حدث في كندا، عندما كان اللورد لندندري نفسه فيها. لقد بين له أن لجنة ستيفن الملكية التي حققت في قضية الجمارك الكندية، وجدت أن البلاد تعاني من سرقة مبلغ مئة مليون دولار سنويا.. هذه السرقة تنظمها حركة عالمية تتغلغل في البلاد وتنشر الفساد والرذيلة، فتكبل العديد من المسؤولين ورجال الحكومة، بإيقاعهم في الرشوة والرذيلة. وأضاف ربنتروب أن حالة الولايات المتحدة هي أسوأ عشرات المرات من كندا، وأنه للقضاء على هذا الخطر، يجب التخلص من الثلاثمائة رجل الذين يشكلون العقول المدبرة التي توجه العناصر السلبية والمجرمة لتحقيق وتنفيذ خطتهم بعيدة المدى، وهي السيطرة على العالم من خلال الحركة الثورية العالمية.
كما أن غورنغ ناقش بعد ذلك قضية تمويل المرابين العالميين للثورة الروسية عام 1917، مبينا النتيجة التي تمكن هؤلاء من تحقيقها، وهي نشر العداوة والبغض الذي لم تره البشرية حتى ذلك الوقت.
ثم ذكر هتلر مندوب بريطانيا اللورد لندندري، بالملايين من المسيحيين الذين ذبحوا بدون رحمة في البلدان الشيوعية منذ ثورة أكتوبر 1917، وأضاف أن المسؤولين عن هذه المذابح لا يمكن اعتبارهم غير لصوص ومخربين عالميين.
وكانت آخر قضية ناقشها المجتمعون، قضية محاولة ستالين تحويل أسبانيا إلى ديكتاتورية شيوعية.. وهكذا تمت تعرية جميع بنود المؤامرة العالمية، من الطريقة السرية التي تمكنت بها ألمانيا من إعادة تسليح نفسها، إلى سيطرة محفل الشرق للماسونيين الأحرار على فرنسا، إلى الطريقة التي دفعت بها بريطانيا إلى ترك التسليح، في نفس الوقت الذي كان أعداؤها الألداء يتسلحون على أكمل وجه.. وتبين أن الألمان يرون استحالة استتباب الأمن، ما لم يتم القضاء على الشيوعية والصهيونية، لأنهم كانوا يؤمنون بأن هاتين الحركتين كانتا تعدان لقيام حرب ثانية.
وفي النهاية اختتم هتلر المحادثات بطريقته الخطابية، متمنيا على اللورد لندندري أن يحاول إقناع حكومته بالدخول في الحلف المقترح مع ألمانيا. وقال بالحرف الواحد: «»وكل ذلك لأنني مقتنع بأن الإمبراطورية البريطانية والكنيسة الكاثوليكية، كلاهما مؤسستان عالميتان، بقاؤهما ضروري لحفظ القانون والنظام العالمي في المستقبل«».
إن هذا الأقوال عن هتلر قد تبدو غريبة عن الرأي العام، لذلك سنسوق الحقائق التاريخية التالية لدعمها:
عاد اللورد لندندري إلى لندن بعد المحادثات وقدم تقريرا إلى الحكومة البريطانية..وفي 21 شباط 1936 أرسل رسالة إلى ربنتروب، قال في أحد مقاطعها: «لقد نسي هتلر وغورنغ، أننا قاسينا هنا في انكلترا من اجتياح الثورة لعدة قرون. وبالنسبة لليهود، فإننا لا نحب الإفناء. وبالإضافة إلى ذلك فإن شعورا ماديا بأنكم تحاولون السيطرة على قوة عظيمة، بإمكانها الرد على هذه المحاولة من أماكن تشمل الأرض بكاملها. ويمكننا أن نتبع خطوات اليهود ومساهمتهم في إثارة الشغب في العالم، ولكننا في نفس الوقت سنجد أن بعضهم يقف موقف حازما في الطرف المقابل، مستعملا نفوذه وأمواله للوقوف في وجه النشاط الشرير والماكر الذي يقوم به إخوانهم».
ولما تأكد هتلر من فشل تحالف بريطانيا معه، أخذ يميل أكثر فأكثر نحو اليمين، لأنه اقتنع أنه يستحيل على أي فرد، أو أي مجموعة من الأفراد، أو أي أمة بمفردها، أن تحطم نفوذ المرابين العالميين في الدول المسماة بالديمقراطية، وذلك لتحكمهم المالي بهذه الدول، ولإيقاعهم إياها تحت ديون طائلة.
وفي تموز 1936، اندلعت الحرب الأهلية في أسبانيا، وتبعها تقارب وتجاذب بين فرانكو وهتلر وموسوليني.. لقد أدى تصميم فرانكو على الكفاح من أجل إخراج الشيوعيين من بلاده، إلى جعل هتلر يقوم بتحصين حدوده عسكريا، لأنه كان يرغب جدا بمعرفة ما إذا كان ستالين يقوم بأي محاولة لتوسيع حدوده على حساب الدول الأوروبية الأخرى.. وكانت الصحافة المعادية لهتلر تصف كل خطوة يقوم بها «بالعدوان الفاشي». أما هتلر فكان يبرر خطواته بأنها احترازية، وصرح بأن اهتمامه الأول ينصبّ على منع ستالين من تأسيس منطقة نفوذ حول خط العرض أربعين في أوروبا.. ولو أنه سمح له بذلك لوقعت ألمانيا وبريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية في الفخ، كما يقع الذباب في بيت العنكبوت.
بدأ النازيون بنشر الإيديولوجية الجرمانية الوثنية بين الشعب الألماني. وتقضي هذه العقيدة بتفوق العرق الجرماني الذي يجب أن يخضع العالم بالقوة العسكرية وينشئ الدولة الجرمانية.. ومن مسلمات هذه العقيدة أن الطاعة لرئيس الدولة الجرمانية يجب أن تكون عمياء لا تناقش أبدا.
وهكذا بدأ الصراع بين المسيحيين المتدينين بشقيهم الكاثوليكي والبروتستانتي والدولة. وهاجم رجال الدين النازية، معلنين أنها تعمل على تحطيم الإنسانية. فكان رد النازيين أن رجال الكنيسة يخالفون القانون ويتحدون السلطة. عندئذ أعلن رجال الدين بأن النازية تعادي وتناقض الخطة الإلهية في خلق البشرية. فاتهم النازيون الكنيسة بأنها تتدخل فيما لا يعينها من شؤون الدولة.
وأصدر هتلر قانونا صارما، حظر فيه على رجال الدين انتقاد الأوضاع السائدة أو التعرض لقانون الدولة. وهددهم بتنفيذ العقوبات بهم إذا أثبتت المحاكم مخالفتهم للقانون.
وننقل بعض ما جاء في المنشور الذي أمر البابا بيوس الحادي عشر بتوزيعه على العالم المسيحي في الرابع عشر من آذار 1937، وعنوانه «حول ظروف الكنيسة في ألمانيا». في هذا المنشور أخبر البابا جميع الكاثوليك أن ما سيأتي في كلامه عن النازيين هو عين الصدق. وحول فكرة التفوق الجرماني، كتب يقول: «قد يكون هناك تفاوت وتباين بين الشعوب أو الحكومات أو ممثلي السلطات الأهلية وغيرها، وقد يتمتع البعض بمركز مرموق بسبب الاختلاف الفطري والذكاء البشري الطبيعي. ولكن رفع هذه الفئات أو الشعوب أو المجموعات إلى مركز التفوق المثالي، فهذا تغيير للفطرة وتعدٍّ عليها، لأن الكمال لله، فهو الخالق والمدبر وليس لفرد أو جماعة أن يطالبوا بحق العبودية لأنفسهم. ولا يقع في خطأ الإيمان «بالوطن الإله» أو «بالوطن الدين» إلا غبي يحاول تضييق قدرة الله بهذه الحدود الضيقة، وهو سبحانه الملك المشرع، الذي لا تقاس قدرة الأمم والشعوب إلى قدرته، إلا كما تقاس نقطة الماء إلى البحر».
هذا بالنسبة للكاثوليك. أما البروتستانت، فقد واجهوا النازية بشجاعة، ونشروا رسالة في التاسع عشر من آب 1938، أكدوا فيها أن موقف النازيين من الدين المسيحي في ألمانيا هو «متناقض بصورة مكشوفة مع تأكيدات الفوهرر».. وجاء فيها أيضا «إن ما يهدف إليه النازيون ليس كبت الكنيسة الكاثوليكية فقط أو الكنائس البروتستانتية، بل هو القضاء على الفكرة المسيحية الحقيقية القائمة على الاعتقاد بإله واحد واستبدالها بفكرة إله جرماني.. وماذا تعني هذه المحاولة لاستبدال الإله المسيحي بإله جرماني؟.. وما الذي تعنيه فكرة الإله الجرماني هذه؟.. أهو يختلف عن إله بقية الشعوب؟.. إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن لكل أمة إلهها الخاص بها.. والمعني الحقيقي لهذه الفكرة هو أنه ليس هناك إله على الإطلاق».
توحدت القوى النازية السوداء والقوى الشيوعية الحمراء في حربها ضد المسيحية، وضد الإمبراطورية الرومانية..وهذا الوضع المعقد هو الذي حدا برجال الكنيسة أن يقفوا ذلك الموقف القومي ضد النازية السوداء، في حين أنهم تركوا الخطر الأقل أهمية وهو الخطر الفاشي - الفكرة المعادية للشيوعية التي استعملها فرانكو. وهذا الوضع هو الذي يشرح أسباب تحالف الكاردينال منذزنتي مع القادة الفاشيين للتخلص من السيطرة الشيوعية على بلاده.
وفي ظل هذه الأوضاع، وجد الملايين من شعوب ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا واليابان، أنفسهم مضطرين إلى اختيار أحد طرفين. إما موالاة الشيوعية، أو موالاة الفاشية.. ودلهم هوبسون على الطريق، وهو أن يختاروا الأقل ضررا والأبعد عن الشيطان.
وهكذا نجحت المؤامرة الشيطانية في تهيئة الوضع لقيام الحرب العالمية الثانية، فالديكتاتورية الروسية كانت تعيد تسليح الألمان سرا. والديكتاتورية الإيطالية بقيادة موسوليني كانت تبني سرا أسطولا من الغواصات للمهندسين والعلماء الألمان. وقد جربت هذه الغواصات عمليا في الحرب الأهلية الأسبانية، حيث تم البرهان عام 1936 على قوة هذه الغواصات ومناعتها ضد جميع الأسلحة البريطانية التي تستخدمها ضد الغواصات، لأن الغواصات الحديثة، صارت تغوص إلى عمق خمسمائة قدم تحت سطح البحر، وهي مسافة لم يكن أي سلاح في ذلك الوقت ليتمكن من الوصول إليها. ولم يبق هذا الأمر سرا بالنسبة للحكومة البريطانية، بل تسربت إليها أخبار هذه الاستعدادات. وبرهن الكابتن ماكس مارتون من البحرية الملكية البريطانية، بالتجربة العملية، إمكانية مهاجمة الأسطول البريطاني وهو رابض في موانئه، وذلك بأن استطاع أن يتفادى بغواصته جميع الأسلحة المضادة للغواصات، ويغرق نظريا اثنتي عشرة سفينة راسية في الميناء.. وبدلا من أن يتلقى الكابتن مارتن الثناء والتقدير من قادة الأسطول نال سخطهم واستياءهم وتوقفت ترقيته ثم كتم صوته تماما.. وبقي على هذه الحال، حتى عام 1940، عندما هددت الغواصات الألمانية الحديثة بريطانيا بالاستسلام أو الموت جوعا. عندئذ طلب منه قيادة المعركة المضادة للغواصات في المحيط الأطلنطي.

الصفحات