أنت هنا

قراءة كتاب دروب المنفى (5) أين بقية الحكاية؟

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دروب المنفى (5) أين بقية الحكاية؟

دروب المنفى (5) أين بقية الحكاية؟

وجدت في مجلس عرفات عدداً من الذين أعرفهم ومنهم سعيد حمامي، الذي غدا من المقربين جداً إلى الزعيم، وحين دخلت قدمت فتوح ليدخل قلبي ثم تبعته، فهل أدرك عرفات ما توخيته حين لم أجئ بمفردي؟ ليست أدري.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

1

استهلال معركة الكرام
في صيف العام 8 6 9 1، فُصلت من حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سورية· وانطوت بهذا فترة من حياتي وابتدأت فترة من طبيعة مختلفة· وقد أفادني الفصل فائدة لم ينتبه لها الذين فصلني نذلك لأنه حررني من إلتزامات العضوية· وبقي لي عملي في جريدة البعث، كما بقي لي أن أكتب للإذاعة والتلفزيون·
في تلك الفترة، ازدادت سياسة الحزب تشدداً· وضيّق التشدد بنود هذه السياسة فكادت تنحصر في عدد محدود من الشعارات· واشتدت هيمنة قيادة الحزب ليس على مراكز الحكم ومؤسساته وحدها، بل على المنظمات الحزبية وسلوك الأعضاء وأوجه تفكيرهم، أيضاً· وضاقت فرص الاجتهاد· فلم يكن غريباً أن أعدّ الخروج من الحزب نعمة· ولعلي لا أبالغ إن قلت لك إن كثيرين غيري كانوا تواقين التمتع بمثل هذه النعمة ولم يبقهم في الحزب إلا أسر المألوف أو الشية من فقدان الإمتيازات أو الأمل بانصلاح الحال· ولك أن تعرف أنّ ما توفر لي من حرية التفكير والحركة المستقلين فاق المتوفر من الحرية لأي صحافي أو عضو في الحزب· ولاء مني الوضع الجديد، بالطبع، ولم أخف عبطتي، حتى لقد بدا لبعض من يعرفونني أني تعمدت استفزاز الذين أسخطتهم مواقفي، لا لشيء إلا لأظفر بقرار الفصل· وأياً ما كان عليه الأمر، فإني بقيت بعد الفصل كما كنت قبله المشاكس الذي لا يخشى العواقب، واشتدت جرأتي على الجهر بقناعاتي·
كان نظام البعث قد امتص حتى ذلك الوقت زلزلا حزيران/ يونيو 7 6 9 1 وأوقف اندياحات السخط على الهزيمة· نجا النظام، وأيقن كل من يعنيهم الأمر من أن الهزيمة السافرة لن تسقط سلطة الحزب· واختار سادة النظام أن يمعنوا في التعويض عن ما ألحقته الهزيمة بسمعتهم بالإفراط في التشدد· وقرنت قيادة الحزب التشدد السياسي بالدعوة إلى التقشف العام والشخصي ورفعت شعار كل شيء للمعركة· وأطلق صديقي د· يوسف زعيّن لحيته وليس بذلة خالية متواضعة، فعل رئيس حكومة سورية ما قعله فيديل كاسترو الكوبي، واكتفى بسيارة فولكس فاكن من أصغر طراز وراح يسوقها بنفسه وحظر استخدام السيارات الحكومية للأغراض الشخصية· ووجد أعضاء الحزب والجمهور أنفسهم مدعوّين إلى التبرع حتى بخواتم الخطوبة لمساندة المجهود الحربي· وصور الإلام الحزبي والحكومي نجاة النظام من السقوط على أنه مكسب كبير تحقق، وأبرزه بما هو دليل على أن الأمة العربية كلها، وليس سورية وحدها، قد نجت وكسبت· وقيل للناس إن عدوان حزيران/يونيو 7 6 9 1 استهدف إسقاط نظام البعث في سرية ونظام الرذيس عبد الناصر في مصر وزعزعة الأنظمة الوطنية التقدمية في البلاد العربية الأخرى· وما دام النظامان المستهدفان قد بقيا فهذا يعني أن المعتدين فشلوا في تحقيق هدف عدوانهم· وهناك من اشتطوا في القول ورأوا أن العرب قد انتصروا، إذ أن هؤلاء عدّوا الثبات بعد الهزيمة انتصاراً·
أما احتلال إسرائيل للأرض وتشريدها السكان وبقية الآثار المروعة التي أحدثها العدوان، فلم تظهر في الإعلام إلا بوصفها ظواهر عارضة· وقد أمعن المسؤولون المدنيون والعسكريون ومروجو دعاياتهم في إزجاد التعهدات والجزم بأن إزالة آثار العدوان في المتناول ما دام النظامان قد بقياً· واشتط هؤلاء في تعهداتهم ومنّوا الجمهور بمواصلة المعركة إلى أن يُقضى على بؤرة العدوان ذاتها·
صور ما وقع في حزيران/يونيو 7 6 9 1 على أنه نكسة عابرة· التقط المهزومون لفظة النكسة، هذه، وأظن أن محمد حسنين هيكل كان هو أول من استخدمها، وعمّموها، وغٌيبت لفظة الهزيمة من قاموس خطابهم·
وليس من العسير أن تحزر أني لم أكن من الذين أُخذوا بهذا التصوير ولا الدين قصروا في السخرية من مروجيه· ولك أن تعرف أن الذين تأثروا بالدعاية الرسمية كانوا قليلي العدد· وعندما لاحظت قيادة الحزب هذه الحقيقة، نسبت قلة التأثير إلى قصور الإعلام والإعلاميين· وصار على المتطلعين إلى رضى القيادة من الإعلاميين أن يمارسوا جلد الذات· وجاء وقت راج فيه أن المسؤول الأول عن التقصير في توفير وسائل النصر هو الإعلام· ولأن جلد الذات ينفرني حتى لوتوفر ما يسوغه، فقد كانت لي مع جالدي الذات، مع كثيرين منهم في واقع الأمر، معارك مشهودة· ولو أمكنك أن تراجع أعداد البعث في تلك الفترة، فستقع في واحد منها على مقال لي صدرته بعنوان فصيح الدلالة: الإعلام العربي المظلوم في هذا المقال، كررت ما سبق لي أن عرضته في اجتماع حضره عدد وافر من أعضاء قيادة الحزب الحاكم، فقلت إن أكفا إعلام في الدنيا هو الذي يعكس سياسة أصحابه في صورة صحيحة، وتساءلت: لو جئنا بخيرة الإعلاميين ووفرنا لهم أنجع الوسائل فيما الذي يملك هؤلاء أن يجيئوا به إن كانت السياسة ذاتها خائبة؟
في تلك الفترة، أيضاً، كبر حجم المقاومة الفلسطينية التي اشتهرت بأسماء شتى أخرى: الثورة الفلسطينية، أو العمل الفدائي، أو الكفاح المسلح، وكثر عدد فصائلها، واتسع حضورها في الحياة العامة، وتعددت نشاطاتها، وتحول معارضوها السابقون إلى مؤيدين، وطغت شهرتها على ما عداها من أشكال المجابهة مع العدو، وتبارى حكام العالم العربي وناسه في إعلان تأييدهم لها واعزازهم بها· احتاج الحكام إلى ما يصرف انتباه الجمهور عن قصورهم في مجابهة العدوان؛ واحتاج الجمهور إلى ما يعوض مشاعر الإحباط وخيبات الأمل؛ واحتاج الجميع إلى ما يكسر زهو إسرائيل بانتصارها؛ فتركزت الأنظار على المقاومة الفلسطينية وقُرعت الأجراس في دنيا العرب لها·
وبين الجميع، كان الفلسطينيون هم الأكثر اجتياجاً إلى ما يعزز حضورهم الخاص بعد أن طال تجاهله، كما كانوا بحاجة، أيضاً، إلى استبقاء الأمل باستعادة وطنهم المتغصب، وقد جاءتهم المقاومة بالوعد·

الصفحات