تعرض الصومال لأطماع استعمارية من قبل الدول الأوروبية الغربية لما يمتلكه من موقع استراتيجي في منطقة القرن الإفريقي، وإشرافه على طرق الملاحة الدولية.
أنت هنا
قراءة كتاب الصـومال ومشكلات الوحدة الوطنية من الممالك القبلية الى المحاكم الاسلامية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الصـومال ومشكلات الوحدة الوطنية من الممالك القبلية الى المحاكم الاسلامية
الفصل الأول
مشكلات الوَحدة الوَطنية الاقليمية في الصومال" التاريخي "
إن تعزيز الوحدة الوطنية يعد من العناصر المهمة في الحفاظ على أمن واستقرار الشعوب والبلدان، وقد عانت دول العالم الثالث وفور حصولها على الاستقلال من مشاكل جمة كان أبرزها الافتقاد إلى القيم الوطنية المشتركة التي تعزز التلاحم والاندماج بين أبناء الوطن الواحد، فمعظم دول العالم الثالث، قد أصبحت عبارة عن فسيفساء تضم مزيجاً من الأقوام والجماعات المختلفة التي لا يربطها ببعضها البعض إلا رابطة الانتماء للوطن الجديد التي انضمت إليه عنوة بسبب عوامل كثيرة منها : الرغبات السياسية للدول الاستعمارية والتي عمدت إلى تقسيم الحدود وفقاً لمصالحها الاستراتيجية، فكان من نتائج ذلك أن أصبحت مشكلات الوحدة الوطنية ببعديها السوسيولوجي والإقليمي من أعقد المشكلات التي واجهت النظم السياسية لدول العالم الثالث، ومما زاد من حدة هذه المشكلات ركون النظم السياسية إلى اتباع ممارسات تفاضلية على صعيد المجتمع الوطني حيث انعدام المساواة بين أبناء الوطن الواحد، وتقريب جماعات على حساب أخرى وخصها بغالبية الامتيازات وتغييب الديمقراطية وتضييق فرص المشاركة السياسية مما ساهم إلى حد بعيد في تكريس هذه الظاهرة. من جانب آخر فإن التخطيط الاستعماري المصطنع للحدود السياسية ومطالبة الكثير من النظم السياسية لدول العالم الثالث الرجوع إلى حدودها التاريخية، التي سبقت السيطرة الاستعمارية، قد ساهم في إبراز مشكلات الوحدة الوطنية ، فغالباً ما تنتج عن تلك المطالب الحدودية مشكلات سياسية مع الدول المجاورة تفضي إلى تدخلات متبادلة في الشؤون الداخلية ودعم للحركات الانفصالية والعناصر المعارضة للنظام، وقد دفعت تلك المطالب الحدودية الكثير من دول العالم الثالث للدخول في حروب ومنازعات لتحقيق أهدافها في توحيد أقاليمها المتقطعة، ويبرز في هذا المجال ما حدث في إفريقيا، حيث المنازعات الحدودية التي حصلت بين مختلف دول القارة، ولا شك أن أكثر تلك المنازعات قوة وعنفاً تلك التي وقعت بين الصومال (موضوع البحث) وكل من أثيوبيا وكينيا.
لذا فإننا في هذا الفصل سنحاول أن نبين الجذور التاريخية لمشكلات الوحدة الوطنية الصومالية، ودور القوى الاستعمارية في إيجاد هذه المشكلات، إضافة إلى تسليط الضوء على الدور الذي قامت به هذه الدول، في تفتيت الوحدة الوطنية الصومالية.
المبحث الأول : الجذور التاريخية لمشكلة الوحدة الوطنية الكبرى
يمكن إرجاع جذور المشكلة الصومالية، في القرن الإفريقي، بكل بساطة إلى الظاهرة الاستعمارية في إفريقيا، بشقيها الأوروبي فضلاً عن الدور الأثيوبي والتي تعود في بدايتها، إلى القرن التاسع عشر، وذلك عندما، عملت القوى الاستعمارية على احتلاله وتجزئة الإقليم الصومالي، بحدوده الطبيعية في القرن الإفريقي، إلى أقسام عدة، منفصلة بعضها عن بعض، بحدود استعمارية مصطنعة، تحقيقاً لمصالح تلك القوى التي سعت إلى هذا الاحتلال والتقسيم في آن واحد.
إن بروز هذه المشكلة واستمرارها حتى الوقت الراهن، لم يكن في الواقع إلا نتيجة للسيطرة الاستعمارية الطويلة، والتي أدت إلى غرس مرتكزات بعيدة عن الواقع الحقيقي.....للمجتمع الصومالي. بيد أن من المعروف عن بدايات السيطرة الاستعمارية الأوروبية، على الأقاليم الصومالية، كانت قد ارتبطت بشكل مباشر، بمؤتمر برلين، الذي انعقد في المدة، ما بين 1884-1885، والذي عد بداية عصر استعمار إفريقيا. وقد حضرت هذا المؤتمر جميع الدول الأوروبية الغربية، بالإضافة إلى روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وقد تم تقاسم النفوذ في مناطق العالم، حيث تم تخطيط الحدود وفق التقسيم الاستعماري، لهذا المؤتمر الذي جرى في كثير من الحالات، بطريقة عشوائية، دون الأخذ بعين الاعتبار ليس فقط المستلزمات الاستراتيجية، وإنما دون أي اعتبار للمستلزمات البشرية والسكانية، ففي حالات كثيرة خططت الحدود، لتقسم شعبها واحداً إلى قسمين أو أكثر، وهذا ما حصل فعلاً، بالنسبة للشعب الصومالي وللشعب العربي، في شمال إفريقيا، كما أن التقسيم، قد جرى بطريقة أدت إلى تقسيم قبيلة واحدة كبيرة بين إقليمين أو أكثر، كما حصل بالنسبة لقبائل الايبو في نايجيريا والكاميرون، وقبائل الباكونجي في زائير وأنغولا، وقبائل الهوتو والتوتسي في راونده وبورندى.
لقد عمدت الدول الاستعمارية، في هذه الأقاليم المتقطعة، على تشجيع الظاهرة الانفصالية، لتكرس بذلك انفصال هذه الأقاليم، عن الوطن الأم، والتي كانت قبيل دخول الاستعمار، في إطار كيان واحد، أو كيانات قبلية متقاربة.
إن الاعتبار الذي اتخذته الدول الاستعمارية الأوروبية في تقسيم إفريقيا، هو مصالحها الذاتية، وهكذا نجد أن حدود قسم كبير من الدول الإفريقية، لا تمثل سوى خطوط جغرافية وهمية، يمليها العبث المطلق أحياناً، وأحياناً أخرى معتمدة فيها على خطوط الطول والعرض، حيث جعلت منها حدوداً، تفصل بين مستعمراتها، دون أي اعتبار للفوارق العرقية أو الفوارق الطبيعية مما أدى، إلى تمزيق الشعب الواحد، أو تجميع شعوب مختلفة عرقياً، دون أي مسوغ أو منطق.
وقد أدت السياسة الاستعمارية القائمــة على المبدأ المعروف (فرق تسد Divid and Ruie)، إلى اقتطاع أجزاء من دولة، ودمجها عنوة في حدود دولة أخرى. وفق التخطيط اللامنطقي للحدود، الذي يعد أحد عناصر الإرث الاستعماري، الذي ورثته دول العالم الثالث، وهي تعكسفي جوهرها وأهدافها، سياسة ترمي إلى خلق جو من التوتر والتمزق في هذه الدول، وزجها في صراعات مع بعضها، أو في صراعات داخلية، فيما بعد حصولها على الاستقلال، والذي يعمل دون شك، على عرقلة الوحدة الوطنية، في هذه الدولة أو تلك، من خلال إثارة السلبية، على شعور الولاء والانتماء للدولة الجديدة. على ضوء هذه السياسة، تقاسمت الدول الاستعمارية الأقاليم، وأخذت كل واحدة من هذه الدول، تطلق اسمها على الجزء الذي تحتله، كالصومال البريطاني، والصومال الفرنسي، والصومال الإيطالي، على الرغم من أن هذا البلد جغرافياً بلد واحد، ويعيش على أرضه شعب واحد ومن أصل واحد، وثقافة وديانة واحدة هي الإسلام.
ومن خلال الرجوع قليلاً إلى تاريخ الصومال، تتوضح لنا بعض الحقائق التي تبين جذور مشكلة الوحدة الوطنية في هذا البلد.