تعرض الصومال لأطماع استعمارية من قبل الدول الأوروبية الغربية لما يمتلكه من موقع استراتيجي في منطقة القرن الإفريقي، وإشرافه على طرق الملاحة الدولية.
أنت هنا
قراءة كتاب الصـومال ومشكلات الوحدة الوطنية من الممالك القبلية الى المحاكم الاسلامية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الصـومال ومشكلات الوحدة الوطنية من الممالك القبلية الى المحاكم الاسلامية
1- توحيد الصومال التاريخي:
لقد كان لاستقرار العرب المسلمين في منطقة القرن الإفريقي، أثر كبير في قيام تكتلات إسلامية في أماكن متفرقة، أخذت تنمو مستقلة الواحدة عن الأخرى، وبعد عدة قرون تحولت هذه التكتلات إلى كيانات سياسية، يتاخم بعضها البعض، من دون اتحاد يجمعها، ومن بين هذه الكيانات السياسية نذكر (مملكة هدية مملكة ايفات، مملكة بالي) وغيرها من الممالك الأخرى، إن هذه الممالك قامت في نهاية القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي بزعامة أسرة عربية تنتسب إلى قبيلة مخزوم القرشية، التي ينتمي إليها القائد العربي خالد بن الوليد، دام حكم هذه الممالك العربية أربعة قرون، في شبه عزلة عن العالم الخارجي، وربما يعزى السبب في ذلك إلى أن تلك الممالك الصغيرة نشأت في منطقة خصبة معتدلة المناخ، هيأت لها كل متطلبات الحياة في ذلك العصر، بالإضافة إلى أن هذه الممالك قد تكونت في الأجزاء الداخلية من الصومال.
ومن الجدير بالذكر أن الشعب الصومالي، كان يعيش في كيانات سياسية، مستقلة الواحدة عن الأخرى، وهي تشبه في تكوينها ما كان يسمى بدول المدينة اليونانية Citystates، أو عبارة عن سبع محافظات يتولى شؤون كل منها حاكم صومالي، ولم يكن في وسعها العيش ضمن كيان سياسي واحد، بسبب الحروب وقيام المنازعات الداخلية والخارجية، وقد استمرت هذه الحروب والمنازعات حتى النصف الثاني من القرن الخامس عشر، حيث أخذت تتحول إلى صراعات عالمية بدخول أطراف جديدة فيها، كالمماليك والبرتغاليين والعثمانيين.
وفي السنوات الأخيرة من حكم مملكة شوا، بدأت عوامل الضعف والانحلال تظهر فيها، بسبب العوامل الداخلية التي فرقت زعائمها، ومما زاد الوضع سوءاً نشوء مملكة إسلامية فتية، تلك هي (مملكة ايغات استطاعت إسقاط مملكة شوا عام 1289م ومدت سلطاتها من السهول إلى الهضبة، وورثت مركز الزعامة بين الممالك الإسلامية السبع، وعلى الرغم من أن ملوك الحبشة، كانوا ينظرون إلى الدويلات الإسلامية، في بلادهم بعين الحسد، لارتقائها اقتصادياً وحضارياً، إلا أن هذه الممالك كانت تعاني من الضعف والتفكك، بسبب المنازعات التيس كانت كثيراً ما تقع بينهما، مما ساعد القوى الأجنبية، في التسليط عليها، وتفريق بعضها عن بعض، حتى لا تجتمع كلمتها على القيام في وجههم، وقد استطاعت الحبشة من إنهاء هذه الممالك في القرن الخامس عشر، بمساعدة المستعمرين البرتغاليين.
وبعد انتهاء هذه الممالك، حلت محلها دويلات صغيرة في الساحل والداخل، مثل هرر وزيلع..... وغيرها من المدن الأخرى، ولقد استطاع العرب في بداية القرن التاسع عشر، وبعد طرد البرتغاليين من شرق إفريقيا والخليج العربي، أن يقيموا دولة واحدة ذات قوة ونفوذ بزعامة سلطان عمان، وتشمل هذه الدولة جنوب الجزيرة العربية وشرق إفريقيا، والذي كان مركز سلطته زنجبار شكلياً، حتى جاء الاستعمار واقتسم هذه الاسلاب.
يتضح من هذه الحقائق، أن الصومال، بحدوده الجغرافية الطبيعية، والتاريخية، لم يكن إلا عبارة عن ممالك أو دويلات صغيرة منعزلة، ولم يجر توحيدها تاريخياً.
2- الوحدة الوطنية في (الصومال الدولة):
في المدة ما بين الحربين العالميتين، اتسمت منطقة القرن الإفريقي بصراع استعماري عنيف، أطرافه إيطاليا وبريطانيا وفرنسا، حيث قامت القوات الإيطالية في عام 1934، بغزو منطقة الصومال الغربي (أوغادين) واصطدمت القوات الإيطالية والأثيوبية في معركة (وال وال)، التي حققت فيها إيطاليا النصر، وبذلك نقضت إيطاليا اتفاقية عام 1908، التي عقدتها مع أثيوبيا، والتي سوف نتحدث عنها في مواضيع لاحقة.
بعد هذه المعركة، بدأت القوات الإيطالية غزوها لأثيوبيا، وتم احتلالها في عام 1937، وإعلان ضمها إلى (الإمبراطورية الإيطالية)، مع دمج منطقة الصومال الغربي (الأوغادين) إلى الصومال الإيطالي، لكن هذا الانتصار لم يدم طويلاً، عندما تحركت القوات البريطانية، وتمكنت من دحر القوات الإيطالية، وهزيمتها نهائياً، حيث دخلت بريطانيا أديس أبابا، في (5) آيار 1941، وبصحبتها الإمبراطور هيلاسي لاسي، الذي لجأ إليها أثناء الاحتلال الإيطالي لأثيوبيا. وأعادت بريطانيا الإمبراطور هيلاسي لاسي إلى عرش أثيوبيا، وعلى أثر ذلك أبرمت معه اتفاقية، تم بموجبها وضع منطقة الصومال الغربي، تحت الإدارة العسكرية البريطانية.
وفي أواخر عام 1944، جددت الاتفاقية المذكورة، ونصت على أن يستمر الاحتلال العسكري البريطاني ، لمنطقة الصومال الغربي، لمدة عشر سنوات، ثم تتخلى بريطانيا عنها نهائياً لأثيوبيا. وقبيل انتهاء مدة العشر سنوات هذه، في (أيلول 1948)، تنازلت بريطانيا، عنمسؤولية الإشراف الإداري عن منطقة الصومال الغربي، وعن أجزاء أخرى من الأراضي الصومالية لصالح أثيوبيا.
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية، أصبح 90% من الأراضي الصومالية خاضعة للسيطرة البريطانية، باستثناء الصومال الفرنسي (جيبوتي)، وبعد انتهاء تلك الحرب، أصبح التصرف بالمستعمرات الإيطالية، من المشاكل المعقدة، لذا حاولت بريطانيا، أن تستغل فكرة الصومال الكبير، لكي تبسط نفوذها عليه، ومن هذا المنطلق جاء اقتراح (آرنست بيغن) وزير خارجية بريطانيا في مجلس العموم، حيث اقترح توحيد الأراضي الصومالية ، التي أشرفت عليها بريطانيا، بعد الحرب العالمية الثانية وفرض الوصاية البريطانية عليها، ثم وضعها تحت وصاية الأمم المتحدة، مع إشراف بريطانيا على الأقاليم المشمولة بالوصاية وجاء في هذا الاقتراح ما يلي: (كانت منطقة القرن الإفريقي تقتسمها ثلاث دول هي بريطانيا العظمى وفرنسا وإيطاليا.
وكنا في ذلك الوقت نختص بقطعة منها، أما الأثيوبيين، فقد كانوا يحتلون المنطقة الداخلية، حيث المراعي التي يؤمها ما يقرب من نصف السكان الرحل الذين يعيشون داخل أرض الصومال البريطانية، مدة ستة أشهر بأكملها من كل عام، وكان أيضاً على السكان الرحل الذين يعيشون داخل أرض الصومال الإيطالية أن يعبروا الحدود بحثاً عن المراعي. في ذلك الوقت اقترحنا بنية صافية توحيد أراضي الصومال البريطاني والصومال الإيطالي، وكذلك المنطقة المتاخمة التابعة لأثيوبيا- إذا وافقت الأخيرة على ذلك، في شكل مقاطعة واحدة خاضعة لنظام الوصاية، وذلك ليتسنى للسكان الرحل أن يحيوا حياتهم البسيطة في أمان ودون أن يعترضهم أي عائق..... على أن تتولى بريطانيا العظمى السلطة الإدارية في المنطقة). ومن الواضح أن بريطانيا أرادت بهذا الإجراء ، أن تجعل الأقاليم الصومالية الخمسة تحت هيمنتها ، على أن تربطها بالكومنولث البريطاني، حتى أنها طلبت من فرنسا، التنازل عن الصومال الفرنسي، ومنحه الاستقلال مقابل تعويض، فتقدم لها بريطانيا منطقة (غامبيا)، ولكن الموضوع أصبح غير ذي جدوى، بعد أن أعلنت مستعمرات فرنسا السابقة في إفريقيا الغربية والاستوائية استقلالها، وبعد أن تحررت أو أوشكت على التحرر ممتلكات بريطانيا في غرب القارة، ولا تسمح نيجيريا أو غيرها، بأن تحل فرنسا محل بريطانيا في غامبيا التي مصيرها الاستقلال أيضاً. وقد آثار الاقتراح البريطاني ، بتوحيد الأراضي الصومالية، معارضة شديدة، من قبل كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وأثيوبيا، التي كانت تخشى من فقدانها منطقة الصومال الغربي-، وكذلك معارضة الصوماليين أنفسهم، لأنه يقيدهم. بقيود استعمارية جديدة، حيث أكدوا أنهم لا يرغبون في أن يبدلوا الاحتلال ، باحتلال آخر، كذلك خشيتهم من النوايا البريطانية في هذا المقترح. الأمر الذي آثار الحكومة الإنكليزية، فقررت الانتقام من الشعب الصومالي في صورة أو بأخرى، فكان تأييدها لمشروع (سفورزا) الإيطالي، والذي عرف في مجال السياسة-باسم مشروع (بيغن-سفورزا) الذي يقضي برجوع إيطاليا إلى الصومال دون قيد أو شرط.
وقد تراوحت المعارضة بين اقتراح فرنسا، بعودة الحكم الإيطالي إلى الإقليم الجنوبي وبين اقتراح الولايات المتحدة، بوضع الصومال تحت الوصاية الدولية.