تعرض الصومال لأطماع استعمارية من قبل الدول الأوروبية الغربية لما يمتلكه من موقع استراتيجي في منطقة القرن الإفريقي، وإشرافه على طرق الملاحة الدولية.
أنت هنا
قراءة كتاب الصـومال ومشكلات الوحدة الوطنية من الممالك القبلية الى المحاكم الاسلامية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الصـومال ومشكلات الوحدة الوطنية من الممالك القبلية الى المحاكم الاسلامية
المطلب الأول : الدور البريطاني
قامت السلطات البريطانية في (عدن) بتنشيط وتوسيع علاقاتها التجارية مع موانئ الساحل الصومالي القريب منها، مثل ميناء بربرة وزيلع، وترجع بداية العلاقة البريطانية بأهالي تلك الموانئ إلى عام 1827م، وذلك عندما أرسل الإنكليز مبعوثاً إلى قبيلة (حبر أول) الصومالية، للتفاهم معها على دفع التعويض اللازم بعد أن قام أفراد من هذه القبيلة بنهب سفينة بريطانية في بربرة، وعلى أثر ذلك دخل شيوخ تلك القبيلة في اتفاقيات سلام وتجارة مع المبعوث الإنكليزي، وافقوا بمقتضاها على عدم التعرض للسفن التي تحمل العلم البريطاني ، وأن يقدموا الحماية اللازمة لها، كما وافق الشيوخ على دفع تعويض عن الخسائر التي نجمت عن حادث السفينة.
إن هذه الاتفاقيات لم تقتصر على إقامة الصداقة والتبادل التجاري بين الجانبين فحسب، بل تعدت ذلك إلى الجانب السياسي، حيث قيدت الشيوخ بعدم الدخول في علاقات مع أية دولة أخرى في حالة ما إذا كانت هذه الاتفاقيات تمس بالمصالح الإنكليزية، وهي شبيهة بالاتفاقيات التي عقدتها انكلترا مع مشايخ الخليج العربي، حيث انتزعت منهم بموجبها التزامات واسعة دون مقابل يذكر، والتي عرفت بالمعاهدات المانعة، جاء فيها:
1. المحافظة على استقلالهم والمحافظة على الأمن والنظام العام.
2. ألا يبيعوا أو يتنازلوا أو يتركوا أي جزء من أراضيهم لاحتلال دولة أخرى.
3. ضمان حرية التجارة لكل السفن التي تحمل العلم البريطاني ، وكذلك سلامة رعايا حكومة جلالة الملكة.
4. إلغاء تجارة الرقيق وإعطاء السفن البريطانية الحق في مصادرة الرقيق.
5. أن يعاملوا الممثلين والمندوبين الذين ستعينهم الحكومة البريطانية في الصومال بكل اعتبار، وأن يسمح لهم بالاحتفاظ بحرس شخصي.
إن هذه السياسية البريطانية في افتعال الأزمات والحوادث مع شعوب المنطقة غالباً ما كانت تستخدمها الدول الاستعمارية، كوسيلة للنفوذ إلى هذه المناطق. فرأت انكلترا أن تدخل ميدان التوسع الاستعماري، فاستغلت هذه الحوادث لكي تنفذ أغراضها تدريجياً فاستغلت الثورة العرابية لتحتل مصر، واستغلت الحركة المهدية لتعزيز تواجدها في السودان.
كل هذا أقدمت عليه بريطانيا وقامت بتنفيذه، مستغلة براعتها ودهائها في التمويه والخداع، فأحاطت هذه العمليات، بادعاءات واهية ومتناقضة بالمحافظة على أملاك مصر، وذلك للتخلص من منافسة الدول الاستعمارية المزاحمة لها على امتلاك موطئ قدم في المنطقة.
وبعد عقد هذه الاتفاقات التي وضعت حجر الأساس لعلاقات صومالية –بريطانية أخذ الإنكليز يتغلغلون في السواحل الصومالية، وخاصة الشمالية منها، وبصورة تدريجية حسب ظروف الإنكليز واحتياجاتهم، وقد وضعوا نصب أعينهم الوقوف بوجه أية دولة في مقدورها أن تؤثر على نفوذهم في المنطقة، وعلى هذا النحو تحرك الإنكليز نحو (زيلع وتاجورة وبربرة)، للحيلولة دون النفوذ الخارجي وخاصة في المدة التي بدأت السفن الفرنسية ترتاد المنطقة وتقوم بنشاطات واسعة فيها. وبهذه الطريقة تغلغلت بريطانيا إلى الأراضي الصومالية، وأصبح لها جزر ومناطق حيوية تشغل مواقعاً مهمة عند بداية طريق القوافل نحو الداخل، ومع هذا لم يقم الإنكليز باحتلال تلك الجزر فعلياً، بل تركوها خالية واقتصروا فقط على الاحتفاظ بحقوقهم عليها.
كان هذا هو النشاط الإنكليزي المبكر في الصومال، وخاصة في السواحل الشمالية منها، منذ عام 1827، وهو النشاط الذي صور مداه أحد العسكريين الفرنسيين- وهو الملازم (فريد Perret)، الذي زار المنطقة والذي ذكر (أن الإنكليز لن يتراجعوا أمام أي تضحيات ولن يهملواأي شيء في سبيل إقامتهم على ضفتي البحر الأحمر......).
إن هذه النشاطات، اتخذت شكلاً آخر بعد افتتاح قناة السويس عام 1869 للملاحة الدولية وظهور أهمية هذه المنطقة للمستعمرين على ضوئها، كما كانت مظهراً من مظاهر التنافس السياسي، بين فرنسا وبريطانيا في أول الأمر، وتحريك الاهتمام الأوروبي فيما بعد نحو السيطرة على المناطق القريبة أو المحيطة بها وعلى أثر دراسة هذه الأهمية للقناة ، قام الإنكليز بالتفكير في السيطرة على الطرق البحرية المؤدية إلى القناة، وعلى أثر ذلك أجبر الإنكليز المصريين على الانسحاب من شمال الصومال، في عام 1884، بعد نتائج وملابسات الحركةالمهدية في السودان، وإخفاق الحملات العسكرية البريطانية ضدها واعتبار أمر هذه الموانئ شيئاً يهم البريطانيين أكثر مما يهم المصريين.
وبعد الانسحاب المصري من الأراضي الصومالية تحركت الدول الأوروبية وفي مقدمتها بريطانيا لملئ هذا الفراغ ، وكانت تدرك خطورة احتلال أية قوة أخرى للمنطقة على مصالحها، وخاصة من جانب فرنسا التي كانت في سباق معها، للاستحواذ على المنطقة مما جعلها تعمل كل ما في وسعها على إبعادها عن السواحل الصومالية، وعلى ضوء ذلك دعا قنصل بريطانيا في السواحل الصومالية (هنتر) في نهاية عام 1883 إلى ضرورة التدخل البريطاني في ساحل الصومال، تحت ذريعة (أن منليك يستعد للاستيلاء على هرر، وأن قبائل الصومال تهدد، بإخراج الحاميات المصرية، من زيلع وبربرة، وأن حكومة مصر لا تستطيع الاحتفاظ بسلطتها في هذه الجبهات الهامة بالنسبة لنا)، كما ادعى (بأن هناك شقاقاً وشيك الوقوع، بين حاكم هرر المصري وبين قبائل عيسى الصومالية، وأن هذا الانشقاق، إذا لم نتداركه بسرعة، فإن المواصلات على الساحل، ستصبح في خطر......).