أنت هنا

قراءة كتاب الصـومال ومشكلات الوحدة الوطنية من الممالك القبلية الى المحاكم الاسلامية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الصـومال ومشكلات الوحدة الوطنية من الممالك القبلية الى المحاكم الاسلامية

الصـومال ومشكلات الوحدة الوطنية من الممالك القبلية الى المحاكم الاسلامية

تعرض الصومال لأطماع استعمارية من قبل الدول الأوروبية الغربية لما يمتلكه من موقع استراتيجي في منطقة القرن الإفريقي، وإشرافه على طرق الملاحة الدولية.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

وفي عام 1947 أبرمت معاهدة الصلح بين إيطاليا، وكل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، ونصت على أن تتولى حكومات هذه الدول الأربعة، التصرف النهائي بالمستعمرات الإيطالية في (ليبيا، وأرتريا، والصومال)، إلا أن الدول الغربية رأت أن تكافئ إيطاليا، لما أظهرته من ولاء لها بعد الحرب، فسعت إلى تمكينها من تولي إدارة الصومال باسم الأمم المتحدة. وبعد عرض القضية على الأمم المتحدة، أصدرت الجمعية العامة قراراً بتاريخ 21 تشرين الثاني1949، يقضي بأن تنال الصومال استقلالها ، بعد مدة عشر سنوات،توضع خلالها تحت الوصاية الدولية، وتتولى إيطاليا إدارتها أثناء هذه المدة. وقد احتسبت مدة العشر سنوات، من تاريخ الموافقة على اتفاقية الوصاية، وهو2 كانون أول 1950، أي أن التاريخ المحدد لاستقلال الصومال كان 2 كانون أول 1960. وشهدت هذه الحقبة (مدة الوصاية) أكبر صراع، بين قوى التحرر الوطني، وبين المطامع الاستعمارية التي تتحكم في هذا الوطن، وخلال مدة الوصاية شكلت الأمم المتحدة مجلساً استشارياً في مقاديشو- التي كانت ضمن الصومال الإيطالي-عهد إلى هذا المجلس، بمراقبة الإدارة الإيطالية ومساعدتها، في تهيئة الظروف من أجل استقلال الصومال، وكان هذا المجلس يضم مندوبين من كل من مصر وكولمبيا والفلبين، وقد لقي ممثل مصر (كمال الدين صلاح) في المجلس الاستشاري حتفه على أيدي عملاء الإنكليز في الصومال، لرفضه تجديد مدة الوصاية إلى عشر سنوات أخرى، وإصراره على ضرورة منح الاستقلال للشعب الصومالي في الموعد المحدد.
وأقامت الحكومة الإيطالية في كانون الثاني 1956، مجلساً تشريعياً منتخباً، وشكلت في 7 أيار من العام نفسه، حكومة صومالية، عهدت إليها مهمة تهيئة البلاد للاستقلال.
أما فيما يتعلق بالصومال البريطاني، ففي إبان الوصاية، شكل البريطانيون جبهة، سموها (الجبهة الوطنية المتحدة) ضموا إليها سلاطين وزعماء موالين لهم، وتبنوا شعار (كومنولث صومالي)، يهدف إلى إدخال الصومال ضمن مجموعة الكومنولث المرتبطة ببريطانيا، من أجل إبقاء الصومال كقاعدة استراتيجية، ومركزاً تموينياً عسكرياً كما وجعله حلقة وصل تؤمن الاتصال لها بمستعمرة كينيا، التي كانت خاضعة آنذاك للحكم البريطاني.
وأسفرت الانتخابات التي أجريت في شباط 1960- لتشكيل مجلس تشريعي جديد-عن فوز (عصبة الصومال الوطنية) بعشرين مقعداً من مجموع المقاعد المنتخبة والبالغ عددها (33) مقعداً، وفاز (الحزب الصومالي المتحد) بـ(12) مقعداً، أما (الجبهة الوطنية المتحدة) فقد فازتبمقعد واحد، وقد طالب الحزبان اللذان فازا بأغلبية المقاعد-في بيان مشترك، بتحقيق الاستقلال العاجل، وإلى اتحاد جميع الأقاليم الصومالية.
وفي يوم 26 حزيران عام 1960، انتهى الحكم البريطاني ، حينما تم التوقيع على الوثائق التي تمنح الصومال البريطاني الاستقلال التام، وقد وقع الوثائق (محمد إبراهيم عجال) و (توماس بروملي) المستشار العام للحكومة البريطانية في مقاديشو، وسلم السلطة بصورة رسمية إلى عجال، وفي اليوم التالي ، صادقت الجمعية التشريعية الصومالية بالإجماع على اللائحة التي ترمي إلى توحيد الصومال الإيطالي والبريطاني، وقد تم انتخاب (أدن عبد الله) رئيس الجمعية التشريعية الصومالية، كأول رئيس لجمهورية الصومال، بعد أن حصل على (107)صوت من مجموع (114) صوت ، فكان هو أول رئيس إفريقي يأتي بطريقة الانتخاب ويخرج من الحكم بطريقة الانتخاب.
وبهذا الشكل ظهرت إلى حيز الوجود، جمهورية الصومال، كدولة إفريقية فتية، مستقلة من خلال اندماج الجزئين الشمالي (الصومال البريطاني) والجنوبي (الصومال الإيطالي)، مع طموح الصوماليين، نخبة وجماهير على أن يلي ذلك استقلال الأجزاء المتبقية التي لا يزال قسم منها يخضع لاحتلال مباشر- من قبل كل من أثيوبيا وكينيا (الصومال الغربي، وإقليم انفدى)- والقسم الآخر (جيبوتي)، التي استقلت عام 1977 مع ضمان تواجد عسكري فرنسي فيها.

المطلب الأول:الصومال قبيل الوجود الأوروبي في المنطقة

لم يخضع الصومال في تاريخه الحديث إلى حكم مركزي، كما مر بنا في موضوع (نوحيد الصومال التاريخي)، بل كان لكل منطقة حاكمها الخاص، يتولى إدارة شؤونها. وقبيل الغزو الأوروبي كانت الصومال منقسمة إلى ثلاثة أقسام قسمان منها يخضعان لنفوذين سياسيين عربيين، هما زنجبار في الجنوب ومصر في الشمال.
أما القسم الثالث، فهو المنطقة الوسطى التي كانت تخضع لسلاطين وحكام محليين، وهو ما عرف بالسلطنات القبلية، وهي مشابهة لسلطات وإمارات الخليج العربي، قبل أن تصبح دولاً بالمفهوم السياسي، حيث تحكم هذه الإمارات، من قبل شيوخ القبائل، وكل زعيم قبيلة كبيرة يسيطر على مساحة معينة من الأراضي الصومالية، ويقوم بإدارة أمورها. وهذه السلطنات القبلية كانت منتشرة في البلاد، حيث وجدت في كل منطقة تقطنها مجموعة من السكان، تربط بين أفرادها، سلسلة من أنساب، تنتهي إلى جد مشترك، أو تربطهم مصلحة مشتركة أخرى مثل الحرفة أو غيرها.
وعادة فإن لهذه السلطات أرض معروفة بها حقوق ملكيتها، قاصرة على أفراد السلطة، تحدد بعلامات في المناطق التي تسود فيها الحياة الرعوية، كما أن هناك من يقوم بالدفاع عن السلطنة القبلية، في حالة تعرضها إلى غزو خارجي، أو داخلي من قبل سلطنة أخرى. ومن هنا تصبح القبيلة وحدة إقليمية قائمة بذاتها، تشغل مساحة معينة من الأرض، وهذا النظام الذي كان يسود بلاد الصومال، كان مصدر شقاق دائم بين السكان، مما أدى إلى حالة من التفكك والفوضى والتشاحن بين القبائل الصومالية، بل وحتى داخل القبيلة الواحدة، فضلاً عن شعور كل قبيلة، بأنها لا تملك سوى الأراضي التي في حوزتها فقط، الأمر الذي أدى إلى تنازع القبائل فيما بينها، كل واحدة تريد الحصول على مساحة أرض، أوسع من غيرها. مما عد من العوامل التي ساعدت على التغلغل الاستعماري في المنطقة فيما بعد، وذلك بسبب ما عانته هذه الممالك من الضعف والتفكك، حتى انهارت وتمزقت، وقد حلت محلها دويلات صغيرة، في الساحل وفي الداخل، وكانت بعض تلك الدويلات تدين بالولاء للدولة العثمانية، التي وصل نفوذها إلى السواحل الغربية للبحر الأحمر، وسيطرة على كثير من موانئه، وكانت التجارة مصدر قوة هذه الإمارات بالمقام الأول، حتى أن كثيراً من سكان المدن الساحلية، قد هاجر نحو الداخل ابتعاداً عن أذى الغزاة المستعمرين، مما أدى إلى عزل تلك الإمارات عن الاتصال بالدول البحرية، وإن لم تتأثر مباشرة بالصراع الخطير، الذي نشب بين الإنكليز والفرنسيين والهولنديين، خلال القرن التاسع عشر. وقد سمي هذا القرن (التاسع عشر) بالنسبة للصومال بـ(عصر السلطنات والدويلات القبلية).
وإذا كان هذا هو حال السلطنات القبلية بشكل عام، فمن الضروري الحديث باختصار عن تلك السلطنات، التي كانت قائمة قبل دخول الاستعمار الأوروبي إلى الأراضي الصومالية، وهي :
1. سلطنة ايغات أو وفات، وهي تمتد من شرق شوا، إلى شمال أديس أبابا إلى وادي هواش، إلى خليج عدن.
2. سلطنة داوارو: وتقع إلى الجنوب من سلطنة ايغات، فيما بين نهر هواش وأعالي نهر وبي شبيلي، وهي المنطقة التي تعرف اليوم باسم ابو.
3. ارابيني: وتقع شرق بحيرة تانا.
4. هديه: وتقع جنوب ايفات، ورغم أنها أصغر من سلطنة ايفات مساحة، إلا أنها أقوى السلطنات السبع، وهي تقع في أعالي نهر أدمو، الذي يصب في بحيرة رودلف، وهي المنطقة التي تعرف في الوقت الحاضر باسم بوران.
5. شرها: وتقع غرب ايفات وبين هدية ودوارو.
6. بالي: ويحدها شمالاً نهر وبي شبيلي ومن الجنوب نهر جرانا.
7. دارة : وهي تلي إمارة بالي ، وأضعف الإمارات السبع.
وقد كانت هذه الإمارات ، تقيم علاقات جيدة، وصلات مستمرة مع قبائل الجزيرة العربية، طوال عدة قرون حتى جاء التكالب الاستعماري الغربي، على غزو القارة الإفريقية...... فأقام من سيطرته حواجز مادية بالحدود السياسية المقفلة وكأنها ستار حديدي سميك، وحواجز معنوية بالتأثير اللغوي والسيطرة الثقافية ، واستطاع بكثرة إرسالياته التبشيرية، ومكر قساوسته، وبضخامة عدته وحنكته السياسية، وبالتالي كرهه للدين الإسلامي، أن يفصل أبناء الأمة العربية الإسلامية، عن شعوب هذه القارة في جناحها الشرقي والأوسط.
نخلص من هذا العرض إلى القول، أن معظم أراضي هذه الإمارات ، تقع في إقليم الصومال الكبير، وأنها تشمل أراضي من جنوب الحبشة بحدودها الحالية، على عكس الادعاءات الأوروبية والحبشية، التي تدعي بأن (بلاد الصومال هي أرض بلا صاحب).

الصفحات