تعرض الصومال لأطماع استعمارية من قبل الدول الأوروبية الغربية لما يمتلكه من موقع استراتيجي في منطقة القرن الإفريقي، وإشرافه على طرق الملاحة الدولية.
أنت هنا
قراءة كتاب الصـومال ومشكلات الوحدة الوطنية من الممالك القبلية الى المحاكم الاسلامية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الصـومال ومشكلات الوحدة الوطنية من الممالك القبلية الى المحاكم الاسلامية
أما بالنسبة (للصومال الكيني) انفدى (East Northen Frontier District) (مقاطعة الحدود الشمالية الشرقية) الذي احتلته بريطانيا عام 1905، فهو جزء من الوطن الصومالي الكبير، وكان هذا الإقليم قبل أن تضع بريطانيا أقدامها فيه، ملكاً لأهله الصوماليين، دون منازع مع أحد، أو سيطرة أي جهة أخرى، بينما كان سلطان زنجبار يدعي سيادة اسمية على السواحل الصومالية من (عام 1871 إلى عام 1905)، حيث ضمت بريطانيا هذه المقاطعة إلى مستعمراتها في كينيا، وفي عام 1934 فصلت بريطانيا مقاطعة انفدى، من مستعمراتها (كينيا)، وجعلتها منطقة منفصلة عنها، لا يمكن دخولها، إلا بتصريح خاص وكان هدفها من وراء ذلك تقطيع أوصال شعوب هذه المنطقة من جهة، وإلى إيجاد عناصر الانفجار والصراع الذي يلهي شعوب المنطقة عن قضاياها الحقيقية المجسدة في الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي خلقتها بريطانيا نفسها وغيرها من دول المعسكر الغربي، والذي لم يكتف بإثارة الأوضاع الضارة في الماضي، بل أراد أن يشكل كذلك مستقبل شعوب المنطقة وتشتيت جهودها عبر تغذية النزاعات والصراعات الأبدية من جهة ثانية.
وفي عام 1960 صرح رئيس الوزراء البريطاني (هارولد ماكميلان) أن (حكومة صاحبة الجلالة الملكة لن تعمل، ولن تشجع ولن تساند، أية مطالب تؤثر على الحقوق الإقليمية، أو وحدة الأراضي في الصومال الفرنسي أو الحبشة أو كينيا)، مما يدل على عدم مصداقية السياسة البريطانية، تجاه الشعب الصومالي الذي عانى الكثير من هذه السياسة، والتي دامت زهاء ستين عاماً، وقد أعلن (دنكار سانديز) وزير المستعمرات البريطاني في عام 1963، أن (الحكومة البريطانية، قد قررت إصدار نظام الحكم الذاتي في كينيا. وأن المناطق التيتسكنها غالبية من الصوماليين، ستصبح إقليماً سابعاً منفصلاً عن كينيا، سوف يطلق عليه اسم الإقليم الشمالي الشرقي)، علماً أن الحكومة البريطانية قد وعدت الحكومة الصومالية في العام نفسه (1963) بأنها (سترجع إليها قبل اتخاذ، أي قرار نهائي بشأن مستقبل الحدودالشمالية وعلى أن يكون ذلك قبل إعلان استقلال كينيا)، ومن هذه التصريحات والوعود، يتضح أن بريطانيا، قد أخلت بما قطعته على نفسها لحكومة الصومال.
إن مراجعة بسيطة لبنود الاتفاقيات، التي أبرمتها بريطانيا مع شيوخ القبائل الصومالية والتي غالباً ما كانت تغريهم بالأموال لقاء توقيعهم على هذه الاتفاقيات، التي ربما لا يعرفون بنودها ، نجد أن بريطانيا، قد عملت على عكس ما نصت عليه الاتفاقات السابقة التي وعدت بها بريطانيا الزعماء الصوماليين من خلال البند الذي ينص على عدم تنازلها (بريطانيا) عن أي جزء من هذه الأراضي، أو تأجيرها لأي دولة، عدا بريطانيا، وكذلك أكدت عدم مصداقيتها في وعودها التي قطعتها للصومال، عندما أبرمت مع إثيوبيا اتفاقاً جاء في مضمونه (اعتبار إقليم الصومال الغربي جزءاً من إثيوبيا، على أن تتعهد إثيوبيا بعدم غلق الإقليم بوجه الرعاة الصوماليين).
إن بريطانيا عندما احتلت الصومال في عام 1884، لم تجد سوى القوات المصرية والتي انسحبت إثر الضغوط البريطانية عليها، حيث كانت مدينة هرر في ذلك الوقت مركز إدارة الحكم المصري في الصومال، وفي أواخر القرن التاسع عشر ظهرت شخصية صومالية، عملتعلى مقاومة التوسع الأوروبي، وحاولت توحيد الشعب الصومالي، للوقوف بوجه الأطماع البريطانية، وهو الشيخ محمد عبد الله حسن الملقب بالملا، حيث أعاد أمجاد الشيخ أحمد بن إبراهيم، الذي هزم الحبشة في عدة معارك.
بدأ الشيخ محمد عبد الله، سياسته على أساس ضرورة جمع كلمة الشعب الصومالي، وتوحيد الصفوف لمواجهة العدو المشترك في ظل زعامة دينية واحدة، وقد قاوم الاحتلالين الأوروبي والحبشي، وأوقع بالمستعمرين الإنكليز الكثير من الخسائر، استمر نضاله إلى أن قتل في عام 1920، بعد أن تحالفت كل من بريطانيا وإيطاليا، وفرنسا، والحبشة معاً، للقضاء على حركته، واستخدمت بريطانيا الطائرات المقاتلة لأول مرة في إفريقيا، ضد الصوماليين، لكي تجبر الشيخ على الرضوخ لسياستها الاستعمارية، وقد دخل الشيخ في صراعات داخلية مع الزعامات القبلية المحلية التي حاولت القضاء على حركته بالتعاون مع المستعمرين، وقد أسفرت هذه الصراعات عن القضاء عليه.
إن هذه الحقائق توضح لنا مدى الدور الذي لعبته بريطانيا في تفتيت وحدة الشعب الصومالي، الأمر الذي حدا بأحد الكتاب الصوماليين إلى القول (بأن سبب مشاكلنا بريطانيا).
المطلب الثاني :الدور الفرنسي
كانت فرنسا من بين الدول الأوروبية المشتركة في تقسيم الوطن الصومالي.
تحت ذريعة حماية تجارتها الدولية التي تمر عبر السواحل الصومالية وغيرها من الأقطار الإفريقية، عن طريق شراء الأراضي من الزعماء المحليين، والدخول في معاهدات مع رؤوساء القبائل بهذا الخصوص. فعندما احتلت بريطانيا ميناء عدن، عمدت فرنسا إلى احتلال نقطة مقابلة لها، وعلى أثر ذلك قرر الفرنسيون بأن لا يتركوا الإنكليز وحدهم في الميدان في ذلك الوقت، وقد زادوا من نشاطهم بشكل كبير، مما جعل الإنكليز يعملون على إيقافه، أو تقليل تأثيره على مصالحهم، فلقد أخذت فرنسا لما فرغت من مشكلاتها الداخلية التي نجمت عن حروب نابليون في بداية القرن التاسع عشر، تبحث عما يعوضها عن مقاطعاتها في أوروبا التي فقدتها من جراء هذه الحروب، واتجهت أنظارها إلى المناطق الساحلية الممتدة على الساحل الإفريقي للبحر الأحمر، وخليج عدن، والمحيط الهندي، حيث يرجع تاريخ النشاطات الفرنسية في الساحل الغربي للبحر الأحمر وخليج عدن إلى العقد الأول من القرن التاسع عشر، وبالتحديد ما بين (1830-1848) ومنذ ذلك التاريخ شهدت المنطقة عدة محاولات، من جانب الفرنسيين، تمثلت في الحملات الاستكشافية والعلمية التي قام بها رحالة ومبشرون فرنسيون.
وقد وصل هؤلاء الرحالة إلى الحبشة ، وأسسوا مراكز تبشيرية هناك، كما قاموا بدراسة إمكانية البلد الاقتصادية، ومهدوا للنشاطات والجهود الفرنسية اللاحقة التي قامت بها فرنسا في العقد الخامس من القرن التاسع عشر وما بعده.
وتعد فرنسا أول دولة أوروبية تولي اهتماماً كبيراً بالساحل الإفريقي المطل على البحر الأحمر وخليج عدن، وذلك بإنشائها خطاً ملاحياً بين (مرسيليا) و(بومباي)، ومن الجدير بالذكر أن استيلاء إنكلترا على عدن، جعل الملاحة الفرنسية تعاني الكثير من جراء ذلك، بالإضافة إلى علاقة فرنسا التجارية والدينية الجيدة مع إثيوبيا. ولم يلبث أن تبلور الاهتمام الفرنسي على شكل مشروع تجاري، عندما كلفت شركة (نانت بورد) الفرنسية، أحد الرحالة المعروفين (كومب) بمهمة تأسيس محطة لهذا المشروع هناك.
وفي ما بين عام 1842-1843، أرسلت حكومة فرنسا عالم الطبيعيات (روشيه دي هيربكورن) إلى مملكة شوا، الواقعة في الهضبة (الإثيوبية) حيث تم تكليفه بأن يعقد معاهدات سياسية مع سيلاسي ملك شوا، وقد نجح في إبرام معاهدات تجارية وسياسية. تضمنت معاونة فرنسا للملك في حروبه، ضد المسلمين كما ذكره روشية في مذكراته. مما يؤكد أن علاقات الأوروبيين مع الأحباش كان الأساس فيها العامل الاستراتيجي الاقتصادي، فضلاً عن العامل الديني.
وبنمو تلك العلاقات الفرنسية-الحبشية، بدأ الفرنسيون ينشطون لإرسال البعثات والحملات، بهدف جمع معلومات سياسية وتجارية عن الأراضي الصومالية، وهذه البعثات هي التي دعت فرنسا إلى عدم ترك الدول الأوروبية الأخرى تسبقها في احتلال تلك الجهات، وخاصة إنكلترا التي تمكنت من تدعيم نفوذها في المنطقة.