أنت هنا

قراءة كتاب بساتين الكلام - محاورات في الفكر والأدب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بساتين الكلام - محاورات في الفكر والأدب

بساتين الكلام - محاورات في الفكر والأدب

ليس خلعا للأبواب المفتوحة أن نزعم أنّ الفكر البشري إنما يتطوّر بتلاقح الأفكار وتجاورها واعتراكها واختصامها.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 7

المدرسة التونسية في الدراسات الجامعية

هل يصح القول إنّ كلية الآداب في الجامعة التونسية تخرّج فيها رؤوس معرفية مهمة في مجالات السرديات (محمد القاضي: الخبر، صالح بن رمضان: الرسالة، فوزي الزمرلي: الرواية، ...) والحجاج (عبد الله صولة: الحجاج في القرآن، ...) ونحو النص (محمد الشاوش) والتركيب (محمد صلاح الدين الشريف)، ... وغيرهم، ولكنهم لم يحظوا بانتشار عربي يناسب الإضافة العلمية التي أنجزوها؟
صحيح أنّ كلية الآداب كوّنت رؤوسا معرفيّة مهمّة في مختلف مجالات العلوم الإنسانية في الاختصاصات الأدبية وفي غيرها كالفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع... ذلك أنّ ظروفا تاريخية هيّأت الجامعات المغاربية ومنها الجامعة التونسية لتكون في مقدّمة الرّكح في هذه الاختصاصات وربّما في غيرها كالعلوم الصّحيحة والعلوم القانونية والطبّ.
وصحيح أيضا أنّهم لم يحظوا بانتشار عربي يناسب الإضافة العلمية التي أنجزوها.
ولذلك أسباب كثيرة يأتي في طليعتها, إضافة إلى العائق التّاريخيّ التقليدي غياب المؤسّسات المساعدة على نشر المعرفة بين أهل الاختصاص الرّاصدة للجهود البارزة فيها العاملة على التّعريف بها وبأصحابها. والاتحادات والجامعات التي بعثت لتقريب الشقة بين الدول لا تقوم بهذا الدور بل لعلّها لا تعتبره من مشمولاتها: إنّ أيّ باحث في العالم العربي يعجز كلّ العجز عن إيجاد أيّ هيئة تمدّه بما وقع إنجازه في اختصاصه من بحوث في الجامعات العربية ومراكز البحث حتّى لا يذهب جهده سدًى، أو ليعرف على الأقل ما هو مطالب به في بحثه بالنظر إلى النتائج التي سبق تحصيلها في بحوث سابقة.
ثمّ إنّ الصّلات العلمية بين الجامعات العربية ومراكز البحث واهيةٌ على كثرة ما هنالك من كلام، وحتّى إن وقع اتفاق فإنّه في الغالب يموت بانتهاء المراسم التي احتفت بميلاده.
والحقّ أنّ أغلب ما يعقد في بلداننا من ملتقيات "علمية" هي احتفاليات تتدخّل في الدعوة إليها عوامل ليست خالصة للعلم وإلاّ كيف نفسّر أنّ مختصّين كبارا لهم مناويلهم في اختصاصهم ولهم تلامذة أبرزوا أعمالا مهمّة, لم يتلقّوا في حياتهم ولو دعوة واحدة من جهة علمية عربية!! لا أريد أن أركب المنطق المجحف الذي يرى أنّ أوساطنا تنمّي الجهل وتصدّ عن العلم الحقّ وأنّه لا يروج فيها إلاّ الخطاب الذي يضرب على الأوتار الحسّاسة إن تجرّد من العلم ولكنّ أمرنا محيّر فعلا.

حمل المشعل وتواصل الأجيال

هل ترون صلابة وجَلَدًا على مقارعة العلم في صفوف الجيل الناشئ من الباحثين الشبان، ممن حظوا بإشرافك أو ممن عقبوهم؟ وهل تتوقع منهم أن يحافظوا على سمعة الجامعة التونسية العلمية التي كوّنها جيلكم وأساتذتكم من جيل الرواد المؤسسين؟
مبدئيا جيلنا يطالب الأجيال التي كوّنها لا بالمحافظة على سمعة الجامعة التي انتموا إليها وإنّما بمزيد الرّفع منها وتجليتها. والحقّ أنّ مِن الأجيال الناشئة (مواليد السبعينات والثّمانينات الذين عرفتهم عن كثب) مَن هو قادر تمام القدرة على القيام بهذا الدور بل ويقوم به بكلّ جلد وبأس وكفاءة. وفيهم من تعلّمت منهم وأنا أشرف عليهم بقدر ما علّمتهم أو أكثر. والنخبة منهم الآن أسماء رائجة مشرقا ومغربا وبهجتي الكبرى أنّهم نساء ورجال وأنّهم يتعاطوْن المعرفة بأكثر من لسان وعلى صلة متينة بمجموعات الاخْتصاص المنتجة للمعرفة.
ولمن أبرز ما حقّقه المتميّزون من هذه الأجيال الخروج من سلطة الإعجاب بما يجدّ من نظريات واغتنام المعرفة المعمّقة بالمتون العربية والمتون الغربية لنقدها والإشارة إلى مواطن الوهن فيها. والعارف من القرّاء بالاتّجاهات التّداولية والأسماء الفلسفية الواقعة وراءها والمطّلع على جهود التونسيين من الباحثين الشبان يدرك النقود التي وجهت إليها والإضافات التي جاءت منهم تسدّ ما فيها من ثغرات.
وهذا الجيل موزّع على الاختصاصات الأدبية الكبرى: الأدب, واللغة, والحضارة. والأسماء كثيرة ولا فائدة من ذكر بعضها دون بعض.
 

الصفحات