ليس خلعا للأبواب المفتوحة أن نزعم أنّ الفكر البشري إنما يتطوّر بتلاقح الأفكار وتجاورها واعتراكها واختصامها.
أنت هنا
قراءة كتاب بساتين الكلام - محاورات في الفكر والأدب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
تحليل الخطاب والنقد الثقافي
كيف ترون مستقبل المناهج في مجال تحليل الخطاب؟ وما رأيكم في النقد الثقافي؟
إلى تحليل الخطاب انتهت مجمل العلوم التي للّغة فيها منزلة مهمّة. ثمّ إنّه الأفق الذي انتهت إليه الدّراسات التّداولية التي خلصت دراسة الكلام من هيمنة الأدب والمكتوب وغرسته في اليومي وفي ما يقوم بين الناس من وجوه التفاعل باللغة.
وتحليل الخطاب تقدّم الآليات التي بها تفكّ الخطابات على اختلاف أنواعها وتعدّد الحقول المعرفية التي تجري فيها كالخطاب الديني والخطاب السياسي والخطاب الإعلامي والخطاب الأدبي وما إليها. وامتلاك هذه الآليات تمكّن للقارئ أو للسامع في المنكشف من الخطاب والمختفي ويوقفه على السياسات التي يسلكها المتكلّمون لإنفاذ مقاصدهم وبلوغ أغراضهم. ولا تقتصر هذه الآليات على الخطابات التي تهيمن عليها اللغة إنّما تمتد إلى صنوف أخرى تتوسّل بعبر اللغة أو أنّ اللغة ثانوية فيها كالخطاب الإشهاري... لهذه الأسباب نرى أنّها معرفة ضرورية تقوم من الاختصاصات التي ذكرتها مقام المقدّمة والمدخل.
أمّا مسألة النقد الثقافي فمسألة تستحقّ شرحا ليس هذا المقام مقامه. لكننا نذكر هنا حقيقتين ثابتتين أولاهما أنّ ظهوره في الأوساط الأمريكية جاء بعد أن مورس في الأوساط الفرنسية في الستينات على وجه الخصوص. وثانيتهما أنّه تنويع على النقد الإيديولوجي الذي كانت تمارسه بعض الاتجاهات النقدية المستندة إلى تحليل الخطاب في تلك الفترة.
الترجمة وإنتاج المعرفة
تعكفون صحبة الأستاذ المتميز الدكتور عبد القادر المهيري على ترجمة موسوعة في تحليل الخطاب، متى تكون جاهزة للنشر؟ وألا ترون أنكم تعكسون الآية، فمن المفترض أن يبدأ الباحث حياته ناقلا مترجما ثم يصبح مبدعا مؤلفا، فلماذا تترجمون الآن؟ وهل هو اضطلاع بمهمة قصّر فيها جيل الشباب؟
"معجم تحليل الخطاب" الذي ترجمته بالاشتراك مع أستاذي الجليل وأستاذ الأجيال جميعها إلى اليوم عبد القادر المهيري في طريقه إلى معرض الكتاب في تونس في هذا الوقت الذي أجيب فيه عن سؤالك وقد ظهر في جزأين، بَذَلنا وبذلَ المركز الوطني للترجمة برئاسة الأستاذ الصّديق محمد محجوب أستاذ الفلسفة بالجامعة التونسية غاية الجهد ليبرز للناس مصفى أمينا لا عوَج فيه. والمعجم حصيلة علوم وتأليف أقلام هي من أبرز المختصين في فنون المعرفة في فرنسا. فكان علينا أن نكون عارفين بالأنساق والمناويل والتّصوّرات والمفاهيم وهي كثيرة كثرة الفنون المعروضة فيه في ما يزيد على ستمائة مدخل. كان الجهد متعبا شاقا وما كنّا لنستطيع إنجازه لولا الخبرة الطويلة التي توفّرت للقائمين بالترجمة، ولذلك لا يمكن لأيّ كان أن يترجم مثل هذه المعالم في بداية الطريق. ويخطئ من يظنّ أنّ الترجمة نقل "بسيط" من لغة إلى لغة، لا سيما عندما يتعلّق الأمر بالنظريات والقضايا المعرفية الكُبرى. فقد يَكون المرءُ جيّدَ الحذق للغة المنقول منها واللغة المنقول إليها، ولا يمكنه ترجمة نصّ يستند إلى بناء نظريّ لم يُحِطْ به المترجم.
والحقّ أنّنا في الجامعة التونسية لم نُولِ الترجمة ما يستحقّ من عناية، ولعلّ ما زهّدنا فيها قدرتُنا على قراءة المعرفة الحادثة باللغة الأصل. وربّما قصّرنا هكذا في إسداء الخدمة لمن لا يقرأون بِلُغاتٍ أجنبية ولم نشارك بالقدر المطلوب في وضع العربية في مواجهة المعرفة الحديثة الجادّة ونحن اليوم نتدارك الأمر وسنعمل جاهدين على اللحاق بما فات. ومن الأدلّة على ذلك أنّ أستاذنا عبد القادر المهيري ترجم في السّنتين الأخيرتين، إضافة إلى المعجم، كتابيْن: أحدهما في اللسانيات والآخر في الحجاج، وقد صدرا مع صدور المعجم.