الشكر موصول لمجموعة من الأساتذة الذين تعلمت منهم علم النفس في مراحل مختلفة من حياتي· أخص منم في جامعة الخرطوم بالسودان أستاذي الجليل د· الزبير بشير طه الذي تعلمت على يديه مبادئ البحث العلمي من خلال إشرافه على رسالة الماجستير التي قدمتها لجامعة الخرطوم كما ت
أنت هنا
قراءة كتاب علم النفس التجريبي في التراث العربي الإسلامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
علم النفس التجريبي في التراث العربي الإسلامي
الصدمة السيكولوجية والمقاربات
يبدو أن هدف المقاربات أو المقارنات بين النص القرآني والنص السيكولوجي من جهة، وبين علم النفس في التراث وعلم النفس الغربي من جهة أخرى، هو محاولة ردم الهوة أو الفجوة الكبيرة بين علم النفس الذي وجده علماء النفس العرب المعاصرون في التراث العربي الإسلامي وبين علم النفس الحديث· ونتيجة لذلك لجأ بعض علماء النفس إما إلى محاولة إيجاد نوع من التوفيق بين المفهوم القرآني للنفس والمفهوم السيكولوجي الحديث من جهة، وأمّا إلى محاولة البحث عن عن جذور إسلامية لمفاهيم علم النفس الغربي في التراث العربي الإسلامي من جهة آخرى· ويبدو أن الصدمة السيكولوجية أو الغربة التي واجهها علماء النفس العرب هي السبب المركزي في محاولة إقدامهم على هذه المقاربات· ومن المفارقات عدم ارتقاء هذه المقاربات لمشروع نظرية سيكولوجية أو منهج سيكولوجي يتحول من بعد لأداه تستخدم تطبيقيا، كما تستخدم أدوات علم النفس الحديث· وبوسعنا التساؤل مجددا عن هدف هذه العينة من المقاربات· وهل السبب نفسي بحت للتعبير عن أن لنا معرفة سيكولوجية وذلك لتجاوز حالة الصدمة النفسية أو بلغة أكثر تحديداً الأزمة!
عبر طه (5 9 9 1) بصورة ما عن مصدر هذه الصدمة أو التأزم، إذ يقول إن الاختصاصي النفسي من العالم العربي الإسلامي يشعر بالغربة بصورة مضطردة كلما اقترب من القضايا النفسية الأكثر تجريدا حتى إذا وصل إلى قمة التجريد، حيث تسفر الأطروحات السيكولوجية المتداولة المقبولة عن الضرورة العلمانية الصريحة التي تقف من الدين موقف الند للند، شعر هذا الاختصاصي بالأزمة الشديدة بين تكوينه الثقافي وتكوينه المهني فيهرب تلقائيا من هذا الميدان التجريدي إلى الميدان المسمى -التجريبي- حيث القضايا أكثر عيانية وأقل جدلية· فيفرغ قدراته الذهنية كلها صعودا وهبوطا على درجات السلم السفلي· وحتى على درجات سلم التجريد الوسطية حيث يتم إنشاء المدارس النفسية مثل السلوكية والتحليلية وغيرها تتم مداخلات تنفتح مباشرة على المصدر العلماني حيث يكمن مصدر التأزم·
وفي تقديري، هناك صدمة ثانية كذلك في عملية الهروب التلقائي إلى الميدان التجريبي في علم النفس· وحسب قول طه تحديدا بأنه (أكثر عيانية وأقل جدلية)· فالصدمة تتعلق بعدم وجود مساهمات عربية أصيلة أو مبدعة في هذا الجزء (الصلب) من علم النفس مقابل الجزء (الرخو) منه· وفي العالم العربي لم تكن هناك أية روح علمية صارمة صلبة لعلم النفس في مخابر الفيزياء و المراصد الفلكية، أو معامل التشريح والفسيولوجيا، أو أقفاص الزولوجيا و المختبرات التجريبية كما تأسس علم النفس في ألمانيا وبريطانيا وأمريكا وتوطن مثلا، في اليابان وإسرائيل· فعلم النفس في العالم العربي تأسس في رحاب أقسام الفلسفة وفي معاهد المعلمين سابقا وكليات التربية لاحقا (انظر أبو حطب، 2 9 9 1؛ البسام، 5 6 9 1؛ دياب، 5 6 9 1؛ عاقل، 5 6 9 1؛ مراد، 5 6 9 1)· فالراحة النفسية المؤقتة التي يجدها عالم النفس العربي في هذا الجزء العياني والأقل جدلية كما يعبر طه ترتبط بحالة من الصدمة السيكولوجية وربما اليأس كذلك · فالمأزق بأن الجانب الرخو من علم النفس يتأزم مع التكوين الثقافي لعالم النفس في حين أن الجانب الصلب لا قدرة له على المساهمة في تبنيه وتكييفه وتأسيسه و تطويره وفوق كل ذلك توطينه في التربة المحلية·
عبر المجددون والمعاصرون أمثال الطهطاوي، وعبده، والأفغاني، والكواكبي، في العالم العربي منذ أكثر من قرن عن مقاربة مفاهيم الشورى بالديمقراطية، والخلافة بالجمهورية، وأفكار أبي ذر الغفاري بالاشتراكية، والتضامن الاجتماعي بالتكافل الاجتماعي، والعمران بالتمدن، والمصلحة بالمنفعة والإجماع بالرأي الديمقراطي، وأهل الرأي بالنواب، والعتق بالحرية، والجن بالمكروبات، والشياطين بالبكتيريا · وبعد مضي أكثر من قرن من محاولة هؤلاء المجددين لم يستطع بعض علماء النفس العرب مقاربة مفاهيم التراث الإسلامي بمفاهيم علم النفس الحديث أو مقاربة النص القرآني بالنص السيكولوجي بصورة منسجمة، أو على اقل تقدير مقبولة· والمحاولات القليلة في هذا الاتجاه ، كما ذكرنا سابقا، غلب عليها التلفيق بدل المقاربة أو التوفيق أو المقارنة·
وفقا للعلواني، إن هذا السعي للمحاولة قد استدرج كثيرا من الباحثين السابقين بمحاولات الإصلاح إلى أفكار (المقاربة) ثم (المقارنة)· أما (المقاربة) فقد تمثلت بمحاولات البعض إعادة تأويل وتفسير الموقف الإسلامي من كثير من القضايا التي قذفنا بها الفكر الغربي في القرن الماضي وأوائل هذا القرن، لينسجم الموقف الإسلامي مع متطلبات العلمية والعقلانية الغربية، فقدمت جل قضايا الغيب سواء الغيب المطلق أو الغيب النسبي بحيث لا يشتد اعتراض العقل العلمي (التجريبي) عليها · ولما أفاق العقل المسلم ولو بشكل جزئي انتقل إلى مرحلة المقارنة، وذلك حين بدأ المفكرون المسلمون يقومون بعقد مقارنات تجري - في الغالب- بين القضايا التي جرت مقاربتها مع الفكر الغربي في المرحلة السابقة، لتجري عليها مقارنات هذه المرة تكون نتيجتها تفضيل الموقف الإسلامي على الموقف الغربي (العلواني، 7 9 9 1)·
إن النقاش الدائر منذ سنوات حول تأصيل الوافد وتحديث الموروث جعل همه الأول التوصل إلى اتفاق أو توفيق ما بين العنصرين· أي بين التراث والغرب فنفي (النحن) أو جعلها خفية ألغى الذات ودورها أو عبر عن غيابها· ونتج عن ذلك محاولات لا تحصى لإعادة تأويل التراث العربي أو الإسلامي على ضوء العصر، أي ترجمته ترجمة عصرية كثيرا ما تعني الاحتيال عليه، أو تقريب تراث الغرب من الشرق، وإظهاره بمظهر التراث العالمي المشترك· وعيب هذه المحاولات النظرية بأكملها أنها تعتقد أنه لمجرد أن حصل التقارب في عقل هذا الباحث أو ذاك بين مفاهيم الإسلام ومفاهيم العصر أو العلمانية فلا بد أن يزول التناقض الفعلي والواقعي بين مطلب الذاتية ومطلب الحضارة، وبذلك يمكن للنهضة التي لم تتحقق بالفعل أن تتحقق بالذهن (غليون، 0 9 9 1)·