الشكر موصول لمجموعة من الأساتذة الذين تعلمت منهم علم النفس في مراحل مختلفة من حياتي· أخص منم في جامعة الخرطوم بالسودان أستاذي الجليل د· الزبير بشير طه الذي تعلمت على يديه مبادئ البحث العلمي من خلال إشرافه على رسالة الماجستير التي قدمتها لجامعة الخرطوم كما ت
أنت هنا
قراءة كتاب علم النفس التجريبي في التراث العربي الإسلامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
علم النفس التجريبي في التراث العربي الإسلامي
علماء النفس العرب: هاجس التأصيل والأسلمة
نشرت بعض الكتب والأوراق العلمية في الدوريات المحلية وأوراق المؤتمرات، بصورة محددة، عن موضوع (تأصيل) علم النفس، وهذه المحاولات، بالطبع، ليست الوحيدة، مثلا: (منهج التأصيل الإسلامي لعلم النفس) (نجاتي، 0 1 4 1هـ، 1 1 4 1هـ)؛ (مشروعية التأصيل لعلم النفس) (8 0 4 1هـ)؛ (دراسات في التأصيل الإسلامي لعلم النفس) (الصنيع، 6 1 4 1 هـ)، (علم النفس بين الأصالة والتبعية) (خطيب، 8 8 9 1)· كما نشرت بعض الدراسات المحددة عن (أسلمة) علم النفس· مع العلم ــ كما ذكرنا ــ بأن معكوس (أسلمة) هو (كفرنة) علم النفس، ومن أمثلتها: (أسلمة العلوم السلوكية) (عطيه، 0 8 9 1)، (نحو أسلمة علم النفس) (عيسى، 5 8 9 1)؛ وأشارت بعض الدراسات للأسلمة بصور أو تعبيرات أخرى مثل: (علم النفس الحديث من منظور إسلامي) (بدري، 7 8 9 1)، (علم النفس بين منهج العلم وموقف القرآن) (إسماعيل، 8 7 9 1)، (علم النفس في التصور الإسلامي) (الهاشمي، 7 7 9 1)، (علم النفس والإسلام) (أبو حطب، 2 9 9 1، 3 9 9 1)، (أصول السيكولوجيا والفكر الثقافي في الإسلام) (طه، 6 8 9 1)·
عالجت بعض الدراسات موضوع (التأصيل) أو (الأسلمة) لجزء أو فرع محدد من علم النفس وبالذات الأهداف (التأصيلية) و(الأسلماتية) ، مثلا: (نحو منظور إسلامي للإرشاد النفسي) (الشناوي، 9 8 9 1)، (أسلوب قرآني للعلاج السلوكي المعرفي) (طه، 9 8 9 1)، (العلاج النفسي في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية) (معمور، 3 9 9 1)؛ (المنهج الإسلامي في الصحة النفسية) (أبو العزائم، 8 8 9 1)، (التحليل النفسي في القصص القرآني) (الشرقاوي، 9 8 9 1)؛ (الجنس والصحة النفسية في نظر الإسلام) (الشال، 1 7 9 1)، (تعريفات الصحة النفسية في الإسلام وعلم النفس) (مرسي، 8 8 9 1)؛ (التوجيه والإرشاد: فلسفته وأخلاقياته في المجتمعات الإسلامية) (مرسي والرشيدي، 4 8 9 1)، (التذكر والنسيان في القرآن) (نجاتي، 9 8 9 1)·
وتباينت مستويات الدراسات والكتب المذكورة أعلاه حول هاجس تأصيل علم النفس وأسلمته في عمقها وسطحيتها، من حيث دقة التحليل والتشريح، وفي بعدها وقربها من المشكلات والمعضلات المتعلقة بتوطين علم النفس في العالم العربي، وفي محاولة بناء علاقات متعسفة وإقحامية بين الموضوعات المتناولة ومحاولات المقاربة أو التوفيق أو التلفيق ما بين الموقف اللاديني والموقف الديني، وبلغة أكثر تحديدا ما بين النص السيكولوجي والنص القرآني كما ذكرنا سابقا· وربما تعبر بعض المحاولات التأصيلية عن نوايا صادقة في محاولة الخروج من مأزق المسافة أو الهوة الفاصلة بين علم النفس الهائل الذي أنتج في الغرب، والذي لا يمت للعالم العربي بصلة، وبين مفاهيم الأفراد وقيمهم ومعاييرهم في العالم العربي· وبوسعنا التساؤل لماذا كانت معظم هذه المحاولات التأصيلية في الثمانينات؟ ولم تكن عميقة قبل ذلك؟ كما لم تكن تستمر في التسعينات باستثناء دراسة طه (5 9 9 1) التي سوف تكون محور حديثنا في الجزء اللاحق من المحاولة البحثية· وهناك دراسات رائدة جديرة بالاهتمام خاصة تلك التي قام بها شيخ شيوخ تأصيل علم النفس مالك بدري من السودان، فضلا عن دراسات نجاتي والهاشمي والحاج ومرسي وأبو حطب· وربما يكون من المناسب، وبصورة أكثر راحةً نفسية، في الجزء اللاحق من الدراسة الحديث عن مأزق علماء النفس العرب وليس مأزق علم النفس·
تميــزت السنــوات الأخيرة بتوجه أصيل بين المفكرين العرب نحو الغوص في الذات وفي التراث وفي الأسس والمفاهيم الفكرية والثقافية التي تشكل الوعي العربي المعاصر، والطرق السائدة في التعامل مع معطيات العصر وما فيه من حركة وتيارات (حيدر، 6 9 9 1)· ويعبر هذا التوجه عن نفسه بما يسمى التأصيل، والأسلمة للمعارف والعلوم· ولقد صنف النصر (3 9 9 1) اتجاهات أسلمة العلوم الإنسانية والاجتماعية إلى اتجاه (تلفيقي دخيل) واتجاه (تجديدي أصيل) وسبق الحديث عن الاتجاه التلفيقي الدخيل·أما الاتجاه التجديدي الأصيل فإنه الاتجاه الذي يعبر عن حركات الصحوة الإسلامية المعاصرة داخل حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية ولئن ظهر متأخرا فإنه قد أظهر من الجدية ما جعله ينال إعجاب واحترام بقية المشتغلين بهذه العلوم داخل الوطن العربي (النصر، 3 9 9 1)· وانعكس اهتمام الاتجاه التجديدي الأصيل في نشر سلسلة من المجلات والمقالات والكتب وأوراق المؤتمرات·
في سنة 5 7 9 1 تمكن جمال الدين عطية من إصدار مجلة المسلم المعاصر في الكويت كمجلة فصلية فكرية تعالج شؤون الحياة المعاصرة في ضوء الشريعة الإسلامية· وعلى صفحات هذه المجلة نشرت مختلف المحاولات الفردية في أسلمة العلوم الإنسانية والاجتماعية التي من أبرزها محاولات جمال الدين عطية في الاقتصاد، ومحمد المبارك في علم الاجتماع، ومالك بدري في علم النفس (النصر، 3 9 9 1)·
وتعني الأسلمة إعادة صياغة تراث المعرفة الإنسانية برمته وفقا لوجهة النظر الإسلامية· فالرؤية الإسلامية لا يمكن أن تكون رؤية إلا إذا كانت رؤية لشيء معين، وبالتحديد رؤية للحياة والواقع والكون· وذلك المحتوى هو هدف الدراسة لمختلف فروع المعرفة، وإعادة صياغة المعرفة على أسس علاقة الإسلام بها تعني إسلاميتها· ومن أجل تحقيق هذه الغاية يجب أن تأخذ التصنيفات المنهجية- الإطار النظري - للإسلام مكان التصنيفات الغربية وتحدد تصور الحقيقة وتنظيمها· ويجب أن تحل القيم الإسلامية مكان القيم الغربية وتفتح وتطور ملكات الإنسان العقلية، وإعادة صياغة الحياة بحيث تتجسد فيها السنن الإلهية وقيم الإسلام في بناء الثقافة والحضارة والمصالح الإنسانية وفي المعرفة والحكمة والبطولة والفضيلة والتقوى والورع (المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 6 8 9 1)· إن سلوك ودوافع الإنسان هي أعقد من العالم المادي، ونتيجة لذلك فإن مناهج العلوم الطبيعية قاصرة في إدراك الجوانب الروحية المعقدة للأفراد ولأن العلوم الاجتماعية هي علوم غربية الأصل والتطور والأهداف فلابد أن (تؤسلم) لكي تكون مناسبة للمجتمع الإسلامي·
ففي الولايات المتحدة الأمريكية وتحت إطار اتحاد الطلبة المسلمين بالولايات المتحدة وكندا تم بعث جمعية العلماء الاجتماعيين المسلمين برئاسة إسماعيل الفاروقي وقد بادرت الجمعية إلى إصدار المجلة الأمريكية للعلوم الاجتماعية الإسلامية مبلورة من خلال مشروعها المعرفي (النصر، 3 9 9 1)· وحدد الفاروقي (9 7 9 1) خمس خصائص لإضفاء الصفة الإسلامية على العلوم الاجتماعية وهي (أ) لازم وحتمي لجميع الدراسات، سواء كانت تتصل بالفرد أو الجماعة، وبالإنسان أو الطبيعة ، وبالدين أو العلم، أن تعيد تنظيم نفسها تحت لواء مبدأ التوحيد · (ب) يجب أن تقر العلوم التي تدرس الإنسان وعلاقاته مع البشر أن الإنسان يَحْيا في ملكوت يحكمه الله في كل من الناحيتين الغيبية والقيمية (ج) لا يجب إهدار مكانة العلوم الخاصة بالأمة بواسطة العلوم الطبيعية، فكلها يحوز على نفس المرتبة في الخطة الخاصة بالمعرفة الإنسانية· (د) إنه ليس ثمة إدراك نظري لأية حقيقة بدون إدراك طبيعتها وعلاقاتها القيمية· (هـ) إن إضفاء الصفة الإسلامية، على العلوم الاجتماعية يجب أن يعمل على إظهار علاقة الحقيقة موضع الدراسة مع ذلك الوجه أو تلك الناحية من النمط الإلهي المتصل بها· وطبقا لرأي الفاروقي ، فإن العالم الاجتماعي المسلم يكون قادرا على تقديم أسلوب انتقادي جديد في العلوم الاجتماعية·
يبدو أننا في أي مشروع لأسملة أو تأصيل علم النفس كما عند البعض أو توطين أو تبيئة علم النفس عند البعض الآخر، سواء أكان توطينا أو تبيئة من الداخل مثلا ببعث التراث السيكولوجي وإحيائه أو تجديده، توطيناً وتبيئةً من الخارج بتبني واستزراع وتكييف علم النفس المستورد نحتاج لقراءة أكثر جدية بالنسبة للنص القرآني من حيث التفسير والتأويل أكثر من مجرد الاهتمام بجماليات وصف النفس والروح والقلب والفؤاد في القرآن الكريم· كما نحتاج في الوقت نفسه لتشريح دقيق بمجهر حساس للنص السيكولوجي الحديث من حيث المفاهيم والنظريات والمناهج والتقنيات· فضلا عن ذلك نحتاج لحفريات ايكولوجية عميقة وبأدوات معاصرة للنص السيكولوجي في التراث العربي الإسلامي ونفض الغبار عنه· كما نحتاج في الوقت نفسه لمسح ميداني موسوعي لعلم النفس الشعبي أو الفلكلوري المعاصر المستخدم أو المطبق بالنسبة لقطاعات شعبية واسعة في العالم العربي أكثر من مجرد سيكوغرافيا·