قد يبدو لقارئ عنوان هذه الرواية قبل أن يخوض عبابها، أن المقصود به الحديث عن سلسلة جبال تقع شمال إنكلترا، لكنه عندما يبحر فيها سيجد أن المقصود بـ «مرتفعات وذرنغ» منزلاً ريفياً في رأس جبل حوله أراضٍ شاسعة كانت مسرحاً للأحداث الدائرة، التي نسجتها الروائية إميل
أنت هنا
قراءة كتاب مرتفعات ووذرنج
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
و«مرتفعات ويذرنغ» اسم أطلق على البيت الذي يقطن فيه السيد هيثكلف، وهو منزل ريفي بُني على ربوة مرتفعة، فكان معرَّضاً للريح تعصف به من كل جانب، ويبدو أن المهندس الذي خطط بناءه كان بعيد النظر، فأقامه قوياً متيناً ليقاوم عصف الريح وعوامل الطبيعة الأخرى. فجعل نوافذه ضيقة غائرة في جدرانه، وزواياه مرتكزة على حجارة ضخمة بارزة.
وجذب انتباهي، بعض النقوش البديعة على الجدار الأمامي، محفورة حول الباب الرئيس، فتوقفت قليلاً قبل أن أجتاز عتبة البيت، لأقرأ تاريخ الحفر فإذا به منقوش منذ عام 1500، وقد نُقش عليه اسم «هارتن آرنشو»، وتمنيّت لو أعلق عليه ببعض الملاحظات أو أسأل صاحب البيت شرحاً مختصراً له، غير أن ما كان يرتسم على وجه السيد هيثكلف؛ أوحى إليّ بالإسراع في الدخول، أو مغادرة المكان حالاً، ولم تكن فيّ رغبة في إثارته وإزعاجه والتسبب في نفاذ صبره قبل تفقدي معبده.
وما كنت أخطو خطوة واحدة؛ حتى وجدت نفسي في غرفة الجلوس العائلية. لم أعبر إليها أي ممر أو دهليز. وهم يسمون هذه الدائرة «البيت»، وهي تضم المطبخ وقاعة الجلوس معاً. وفيها مدفأة كبيرة، عُلِّقت فوق مدخنها بنادق قديمة متنوعة الأشكال ومتعددة الأنواع، وزوج من المسدسات على شاكلة تلك التي كان فرسان القرون الوسطى يستعملونها، وصُفّت فوق رفّها ثلاثة صناديق مزخرفة للزينة. ورصفت أرض الغرفة بالبلاط الأبيض الناعم، وفرشت بالكراسي ذات الظهور العالية بسيطة الصنع مدهونة باللون الأخضر. وفي الزاوية كرسيان أسودان يقبعان في ظل نورٍ خافت. وكانت إلى جانب صوان الصحون، كلبة كبيرة يلتفُّ حولها عدد من الجراء الصغيرة.
وأثاث الغرفة بسيط كأنه فرش بيت لمزارع فقير من الشمال، وعليه ملامح الجفوة العنيدة. غير أن «السيد هيثكلف» كان على النقيض من مسكنه، إنه رجلٌ أسمر اللون، كالغجر، لكنه في سلوكه وأخلاقه وملابسه يشبه سيداً من السادات، إلا أنه عديم الاهتمام بترتيب نفسه وهندامه، وإن لم يكن هذا الإهمال واضحاً. وهو رجل طويل، وسيم الشكل، ظريف الهيئة، كثير الصمت قليل الكلام، حتى ليظن بأنه متكبر، غير أني لم أشعر منه بذلك. وأدركت - بالغريزة - أن تحفظه هذا كان رغبة منه في إخفاء شعوره وأفكاره الحقيقية. فهو يحب في صمت، ويكره في صمت. أتراني تسرعت في الحكم عليه؟!
اتخذت مقعدي إلى جانب المدفأة مقابل كرسي السيد هيثكلف، وصمتُّ فترة من الزمن كنت أحاول فيها مداعبة الكلبة الأم، فتركت جراءها، وأخذت تلعق قدمي، ويبدو أن مداعبتها لم تعجبها فأثارتها فنبحت.