قد يبدو لقارئ عنوان هذه الرواية قبل أن يخوض عبابها، أن المقصود به الحديث عن سلسلة جبال تقع شمال إنكلترا، لكنه عندما يبحر فيها سيجد أن المقصود بـ «مرتفعات وذرنغ» منزلاً ريفياً في رأس جبل حوله أراضٍ شاسعة كانت مسرحاً للأحداث الدائرة، التي نسجتها الروائية إميل
أنت هنا
قراءة كتاب مرتفعات ووذرنج
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
فقال السيد هيثكلف بصوت أجش:
- يحسن بك أن تدع الكلبة وحدها، فهي غير معتادة على مثل هذه المداعبات ولم تنشأ في مهد الدلال.
ثم التفت بوجهه نحو باب جانبي وصاح: «يا يوسف !».
فأجاب يوسف من أعماق القبو بتمتمات مبهمة، كأنه لا يريد الصعود، فهبط إليه سيده، وتركني وحيداً مع الكلبة وجرائها، فوقفت جميعاً ترقب حركاتي وسكناتي. ولم أكن مستعداً للالتحام معها في معركة؛ فجلست ساكتاً هادئاً. ثم لا أدري كيف وجدت نفسي - لسوء الحظ - أغمز للجراء بطرف عيني فأثارت غمزتي الأم ووثبت على ركبتي. فرددتها عني بسرعة خاطفة، وسحبت الطاولة لأجعلها حداً فاصلاً بيني وبينها، فألّبت، هذه الحركة، جميع الجراء عليّ، وهجمت كلها على قدميّ وأهداب ثيابي، فاضطررت إلى أن أصيح بأعلى صوتي مستنجداً بأهل البيت.
فصعد السيد هيثكلف وخادمه درجات القبو ببطء وهدوء أعصاب، لم يسرعا خطوة واحدة زيادة على المعتاد، مع أن الصياح والنباح كانا يملآن جو الغرفة ضجةً وجلبة. ولحسن حظي، أن أسرعت لنجدتي إحدى السيدات من المطبخ، تحمل بيدها مقلاة، أخذت تهوي بها على الكلاب ضرباً حتى فصلت بيني وبينها، وبقيت واقفة على استعداد لنجدتي حتى دخل سيدها الغرفة.
سألني السيد هيثكلف، وهو ينظر إليَّ نظرة غريبة لم أكن أستطيع تقبّلها بعد هذا الاستقبال الموحش: «ماذا حدث، بحق الشيطان؟».
فأجبته: «أي عمل شيطاني هذا؟!! ليس في الوجود أرواح أسوأ من هذه التي تتلبَّس حيواناتك، يا سيدي. لست أدري كيف تجيز لنفسك أن تترك امرأً غريباً بين هذه النمور المفترسة!».
فقال، وهو يضع أمامي زجاجة النبيذ، ويعيد الطاولة إلى وضعها الذي كانت عليه قبل أن أجرها للدفاع عن نفسي:
«إن كلابي لا تقرب امرأً لم يلمس شيئاً في الغرفة، وهي على حقٍ في حذرها ويقظتها... تفضّل؛ خذ كأساً من النبيذ تهدئ به أعصابك».
أجبته: «كلا، شكراً لك».
فسألني: «هل آذتك؟».
قلت: «لا».
فقطب هيثكلف وجهه وقال: «تقدم، إنك مضطرب الأعصاب يا سيد «لوك وود». خذ قليلاً من النبيذ. إن زوّار هذا البيت قلائل نادرون حتى إني لأجد وكلابي كثيراً من المشقة في إيجاد أسلوب نستقبلهم به... نخب صحتك يا سيدي!».
انحنيت لأردّ له التحية، وشعرت بأن من الحمق والجهل إظهار اكتئابي واستيائي لذنب حيوانات لا تعي ما تفعل، وأساءت سلوكها معي. ولاحظت أنه استعاد مرحه، ورجّحت أنه قد شعر هو نفسه بأنه من الحمق إيذاء شعور مستأجر أملاكه الطيب، إذ خفف من حدة كلماته، وطفق يحدثني في موضع يلذُّ لي سماعه، فشرح لي محاسن المكان الذي أقطن فيه ومساوئه، وتبيّن لي أنه ملم إلماماً حسناً بالموضوعات التي تطرقنا إلى بحثها. وقبل أن أنهي الزيارة وأعود إلى منزلي؛ قررت أن أكرر زيارته مرةً أخرى في الغد. وكان - على ما لاحظت - لا يرغب في تكرار زياراتي له، غير أني - على الرغم من ذلك - سأعاود زيارته، شاء هذه الزيارة أم أبى.