تنطلق هذه الدراسة من فرضية أساسية مفادها : إن فكرة أرض الميعاد تعد من أهم المرتكزات الفكرية التي استند عليها الفكر الإسرئيلي المعاصر، و لذلك تسعى هذه الدراسة للإجابة عن جملة تساؤلات منبثقة من هذا الافتراض العلمي لعل اهمها ما يأتي:
أنت هنا
قراءة كتاب أرض الميعاد في الفكر الإسرائيلي المعاصر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

أرض الميعاد في الفكر الإسرائيلي المعاصر
اولا : الحدود الدينية الموعودة :
شكل العامل الديني احد اهم الركائز التي استند إليها اليهود في مطالبهم للإستيلاء على (أرض فلسطين) . وقد إرتبطت هذه المطالب بما يسمى بـ (الوعود الإلهية) لهم في إمتلاك اﻹرض المقدسة بوصفهم (الشعب المختار) الذي يستحقها.
وعليه فإن الحدود الدينية الموعودة هي : ( تلك الحدود التي جاء ذكرها في الكتب الدينية المقدسة كالتوراة والتلمود ، فضلا عن تغييرات وإضافات حاخامات، ورجال الدين اليهودي عليها)(68) .
وبالعودة الى النصوص الواردة في (التوراة) حول (الوعود الإلهية) بخصوص حدود الإرض نرى ان هناك إختلافات كبيرة ، وتباين واضح في حجمها ولأن تخوم هذه الإرض تختلف من سفر الى آخر ، فتارة تتسع الى الشمال ، وتارة اخرى تتسع الى الجنوب ، وثالثة تأتي غير محددة .
فنرى أن احد النصوص يشير الى أن تلك اﻹرض عبارة عن جزء صغير في منطقة (نابلس) ، ((واجتاز ابرام الى مكان شكيم الى بلورة مورة ، وظهر الرب لابرام وقال : لنسلك اعطي هذه الارض))(69) ، في حين (في سفر العدد) حددت الارض بأنها : ( أرض كنعان بتخومها)،((وكلم الرب موسى فقال : مر بني اسرائيل وقل لهم انكم داخلون أرض كنعان ، وهذه هي الارض التي تقع لكم ميراثا، أرض كنعان بتخومها))(70). وعلى الرغم من ان هذه النص جاء اكثر وضوحا مما سبقه الا أنه ايضا احتوى على غموض فيما يتعلق بحدود (أرض إسرائيل) .
فالنص حدد موقع هذه اﻹرض ، وهي أرض كنعان (فلسطين) ، إلا انه لم يحدد حدودها ، فضلا عن غموض عبارة تخوم (أرض اسرائيل) ، فماذا تكون هذه التخوم واين تقع، وكيف تكون حدودها ؟ .
اما (سفر التكوين) فقد جاء بحدود معلومة ((لنسلك اعطي هذه الارض من نهر مصر الى النهر الكبير نهر الفرات))(71) ، ثم جاء في السفر نفسه بحدود جديدة : ((ارفع عينيك وانظر من الموضع الذي انت فيه شمالا ،وجنوبا ،وشرقا ،وغربا لان جميع اﻹرض التي أنت ترى لكأعطيها ولنسلك الى الأبد))(72) ، وعلى وفق هذا النص تتحدد مساحة ، وحدود (أرض إسرائيل) بقدرة (إبراهيم)(عليه السلام) البصرية ، والواضح ان هذا النص فيه غموض ، كبير فاذا كانت مساحة (أرض إسرائيل) وحدودها مرتبطة ببصر(إبراهيم) فان ذلك يعني : ان مساحتهالا تتجاوز بضع كيلو مترات معدودة ، إلا إذا كان (إبراهيم) يتمتع بقدرة بصر خارقة وهو ما لم يؤكده احد(73).
وفي (سفر الخروج) حددت حدود (أرض الميعاد) بـ((واجعل تخومك من البحر الاحمر الى فلسطين ، ومن الصحراء الى النهر))(74) . اما في (سفر حزقيال) فقد حددت بـ :
1. الحدود الشمالية : (( ويكون التخم من البحر حصر عينان تخم دمشق والشمال شمالا ،وتخم حماة ،وهذا جانب الشمال))(75).
2. الحدود الشرقية : ((وجانب الشرق بين حوران ، ودمشق، وجلعاد ،وأرض إسرائيل الاردن ، ومن التخم الى البحر الشرقي تقيسون هذا جانب الشرق))(76) .
3. الحدود الجنوبية : (( وجانب الجنوب يمينا من ثامار الى مياه مربيوت قادس النهر الى البحر الكبير ، وهذا جانب اليمن جنوبا))(77).
4. الحدود الغربية : (( وجانب الغرب البحر الكبير من التخم الى مقابل مدخل حماة وهذا جانب الغرب))(78) .
ثم تذهب (التوراة) الى التوسع بحدود الإرض لتأتي بها بصيغة الجمع العائمة كما في (سفر الخروج) : ((وأعطي نسلكم كل هذه الإرض))(79) ، وفي (سفر التكوين) ((اعطي نسلك جميع هذه البلاد))(80) ، حتى بلغ ذروته في (سفر يشوع) بجعل اﻹرض الموعودة غير محددة إنماتعتمد على مدى استطاعة (بني إسرائيل) السيطرة على الارض : ((كل موضع تدوسه بطون اقدامكم لكم اعطيته))(81) ، إذ انهم مرتبطون عقائديا بكل أرض سكنوا فيها ، ويحاولون احتلالها أو ما يسمونه (العودة اليها) .
من خلال تلك النصوص المتعلقة بحدود (أرض الميعاد) نرى فيها من الاختلاف وعدم التحديد ما يجعل المطلع يكاد يستبعد كونها نصوصا سماوية .