إذا كان للتاريخ سلطان، فمن الطبيعي أن تكون له سلطة.
أنت هنا
قراءة كتاب سلطة التاريخ
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
وفي الفصل الثاني وقفت الدراسة عند المعاناة التي عاشها المسلم في غرناطة التي تشبه ما يعانيه أبناء فلسطين في مواجهة الصهاينة، ووقفت عند خوفنا من المستقبل الذي بدأ يتحقّق، باحتلال العراق وفرض الهيمنة على عالمنا العربي والإسلامي بصور مختلفة. وانتهت الدراسة إلى أنه، على الرغم من اعتماد الرواية على التاريخ، فإنها، في الوقت نفسه، رواية واقعيّة، تحدّق في الواقع وتُعنى به وتعرّيه وتأمل في تغييره، إذ صوتُ المنادي وصياحُ سعد في الطرقات (دخلوا الحمراء، رأيتهم) (أخذوا الحمراء، سمعتهم) والأصوات تعلن (دخلوا الحمراء سقطت غرناطة)، والتساؤلات الحارقة (أين ذهب العرب والمسلمون؟)، (ما نفعُ المفاتيح؟ ما الذي تبقّى؟)، بعد أن أُزيلت الأبواب وتغيّرت الأقفال، وفي ما تمتمَ به عليّ وهو يواجه الموت هرباً من الرحيل (لا وحشةَ في قبر مريمة).
وفي الفصل الثالث تبيّن أنّ مفهوم الصمت يشكّل ظاهرة لافتة في الرواية العربية، وأن له أبعاداً سياسية واجتماعية وأخلاقية وحضارية وفكرية وفنية. ويُحسَب للرواية العربية أنها ركّزت على الصمت بوصفه عنصراً هاماً في البناء الفني، وأداةً طيّعةً في استكناه ما يدور في داخل الشخصية، ووسيلةَ تعبيرٍ إلى جانب الكلام. تواجه المرأة تقاليد اجتماعية أخرست صوتها مما دفعني إلى الوقوف عند ظواهر الصمت وتجلّياته ومعانيه في الرواية العربية إلى جانب ما تجسّده وقائع التاريخ، لعلّ من أبرزها صمتَ الفتى العراقي "علي" على شاشة التلفاز، غداة الغزو الأمريكي للعراق، حين فَقَدَ العراقَ وأهلَه وعضدَيه دون أن ينبس ببنت شفة، وصمتَ الأمّ الفلسطينية وهي تودّع ابنها قبل استشهاده، احتجاجاً على الصمت العربي والعالمي على الجريمة الأمريكية في العراق والجريمة الصهيونية في فلسطين، وصمتَ الشاب الذي خيّط شفتيه بخيط أسود احتجاجاً على أزمة الحرية في المجتمع العربي. تدين الروايةُ الصمتَ الذي يقود إلى سلب حرية الإنسان، وتدين أيضاً ما ورد على لسان حامد وهو يتحدث باسم الإنسان العربي: (العالم الجديد الصامت على ذبحي) و(لوائح الصمت المعلقة في زوايا شرق المتوسط)، وتدين الصمت العالمي على ما يجري للأمة العربية. ومن هنا تبيّن لنا أنّ نصّ الصمت نصٌ مراوغٌ يتحدّى القارئ، وأنّ الصمت أسلوب حياة وجزء من عملية الاتصال وتقنية فنية، وله أشكال تبدأ بصمت الفرد عبر صمت المجتمع، وصمت الأمة، والصمت العالمي.
وفي الفصل الرابع تنتهي رواية "سلالم الشرق" إلى أنّ فكرة السلام فكرة نظرية سرعان ما تتهاوى أركانها عند أول اختبار تطبيقي لها، فالعملية السلمية بين العرب واليهود معقّدة ومركّبة، ذلك أنّ العقلية الإسرائيلية تحكمها روح الهيمنة. والرواية بوجه عام دعوة إلى الحوار والتواصل وحرب على مظاهر التخلّف والهيمنة وإدانة لظواهر التدمير وما ينخر المجتمع العربي.
في الفصل الخامس يصطرع الإنسان مع قوى سياسية وتيارات لبست ثياب الدين للمتاجرة به لتحقيق أهداف خاصة. لقد بنى الكاتب عالماً متخيّلاً للسلطة قامت سياستها فيه على مقولة (مَن يملك السلطان يملك حقّ التأويل). ومن هنا نفسّر وحشية المثقف كقتل الفنان يوسف بتقطيع جسده، وفي يده قلم رصاص، وعلى جسده لوحة فنيّة. وفي أعقاب قتل كل مثقف كان يعلو تساؤل الجزائري المشروع معبّراً عن الفجيعة: (لماذا؟ لماذا؟ لماذا القتل؟ لماذا قتل الفنان وأحلامه؟ لماذا اغتيال الجمال؟ وعلاهْ قتلوهْ؟ وعلاهْ قتلوهْ؟ وعلاهْ قتلوهْ؟)، ومعبّراً أيضاً عن أهميّة دور الفنان في الحضارة (وهل يُعقل يا ريما أن يتجرّأوا على لمس الفنّان؟) فكيف بقتله؟! قتلُ المثقف هو قتلٌ لضمير الأمة ولسانها، ومحوٌ للذاكرة والوعي والثقافة والكلمة الحرّة. وفي هذا السياق، عرفنا لماذا قُتل كلّ من المفكّر بوخبزة والشاعر جون سيناك والطالب كمال أمزال، وأبو ضياف واليابس، وقاصدي مرباح، وعلّولة وعزيز. صاح الكاتب من بطن المعاناة وقعر الموقد وعمق الحريق، معبّراً عن عمق المأساة، مبيّناً الداء، مصرّاً على التضحية والمواجهة، منكراً الرؤى المتخلّفة التي تطارد الوعي.