إذا كان للتاريخ سلطان، فمن الطبيعي أن تكون له سلطة.
أنت هنا
قراءة كتاب سلطة التاريخ
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
2 - المفهوم الثاني الذي توقفت عنده الرواية هو "بشريّة" التاريخ ودور الإرادة البشريّة والفعل الإنسانيّ في صناعته، وهو ما ذهب إليه "فيكو" أيضاً، من أنّ الإنسان هو صانع تاريخه(15)، وما ذهب إليه أيضاً "العروي" عبد الله، من أنّ التاريخ هو تاريخ البشر بالبشر(16)، وأنه محكومٌ بالتغيّر.
بدا في الرواية أن التاريخ العربي المعاصر هو "تاريخ الضحيّة" و"تاريخ الموت والهزيمة"، وهكذا سلّطت هذه الرؤية الضوء على الهزائم (فنحن حتى الآن لم نساعد إلا أنفسنا على الهزيمة، وفرشنا للإسرائيليين أرضنا بدمنا، كي يمشوا عليها منتصرين.)(17).
نشير هنا إلى أنه إذا كان لفظ التاريخ يطلق على "مجرى الحوادث الفعلي"، فإنّنا نتحدث في السياق نفسه، عن "موجدي التاريخ" أو "صانعي التاريخ"، كما نتحدث عن "سلطان التاريخ" حسب ما ذكر هرنشو(18)، وعن "حكم التاريخ".
استعانت الرواية، عبر مساجلتها التي عقدتها بين ثلاث تجارب حضارية: عربية وصينية وإسرائيلية – استعانت بالتجربة الصينية مثالاً على "صناعة التاريخ"، وعلى دور الفكر في توجيه التاريخ وصناعة الواقع، وكيف ينتفض حيّاً بين أيدي مَن يدافعون عن وطنهم. وهي درسٌ تبيّن كيفيّة تحوّل أفكار القادة والأبطال والثورات "ماوتسي تونغ والثورة الثقافية" إلى أفعال بنّاءة ومنجزات تُكسب الأمةَ قوةً وهيبة، وكيف يكون للحرب معنى وللثورة طعم خاص على غير ما وجدنا في حروبنا الداخلية، ومن هنا آمنَ الصينيون أنّ ماوتسي تونغ يعيش ألف سنة أخرى.
إنّ مَن يصنع التاريخ يشعر أنه داخله، ويكتب صفحاته، ويشعر أنّ للغة حياة وأنّ للكلمات معاني وسحراً. لذا كرّر الراوي عبارة "هذا هو التاريخ" باعتزاز(19). لقد وضعت الرواية، عبر هذه المقارنة، أيدينا على مواقع الخلل في مسيرتنا، وعلى النقاط القاتمة في تاريخنا.
لقد صنعت الإرادة الصينيّة التاريخ الصيني وحوّلت الذاكرة/التاريخ إلى برامج وأفعال، وترجمت أفكار قادتها إلى واقع، فأنجزت بذلك معنى الثورة، وصار للثورة الثقافية دورها في صناعة التاريخ الصينيّ المعاصر وللأمة حضورها وهويّتها. وهكذا اقترنت صناعة التاريخ لدى الصينيّ ب"وجود" الأمة الصينية وفعاليّة ثورتها، تظهر من الالتزام بأشكال السلوك العام، وانتهاءً بالاقتناع بفكرة الصراع القائمة على وضوح الرؤية والهدف (في الصين تعلّمنا كيف يعيش الإنسان في التاريخ)(20).