إذا كان للتاريخ سلطان، فمن الطبيعي أن تكون له سلطة.
أنت هنا
قراءة كتاب سلطة التاريخ
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
يُصنع التاريخ، إذن، ب "بالنحن" وبالثورة، لا بالمصالح الخاصة وكسر رقبة الوطن لمصلحة الخاص، وهذا من بواعث قلق الراوي وهو يقارن هذه التجربة مع التجربة العربية المعاصرة القاتمة، من خلال قضية فلسطين، وهكذا فعلاقة الصينيّ مع التاريخ ودية غير قائمة على الصراع والافتراس، لم يرَه وحشاً أو كلباً كما يراه العربيّ هذه الأيام (في الصين وجدت نفسي في التاريخ، وشعرت بقدرتي على القيام بأي شيء، ولم أخفْ من نفسي أو عليها)(21).
وتجدر الإشارة إلى أنّه لا بدّ من أن تواكِب صناعةَ التاريخ رؤيةٌ نقديةٌ واضحة، لهذا استخدم الكاتب تقنية "المرآة"، كي يشعر صانع التاريخ أنّ عليه أن يكون قارئاً ومقروءاً في الوقت نفسه، بمعنى أنه شخص ومرآة في آن، وأنّ عليه أن يعي حركة التاريخ، حيث يكون الوقوف أمامها وقوفاً أمام الآخر، وكأنه بهذا يرى صورته في الآخر. فالتاريخ، بحسب "مارتن لوثر"، كالمرآة، إذا ما أُمعن النظر فيه انعكست على صفحته النفس على حقيقتها، ومن هنا تبرز أهمية اتخاذه معياراً للحكم على السلوك(22).
3- أما المفهوم الثالث الذي وقفت عنده الرواية، فيركّز على "الوجه الإنسانيّ" للتاريخ، وبهذه الرؤية يكتسب التاريخ صورته الإنسانية الأخلاقية، وبالتالي يصبح الدفاع عن القيم بوّابة واسعة لصناعة التاريخ والدخول فيه، وبمعنى آخر يصبح موت القيم الإنسانية نهاية التاريخ. لذا فلكلّ ثورةٍ هدفٌ إنسانيّ نبيل تسعى إلى تحقيقه إلى جانب أهدافها الخاصة، بل إنّ التزامها بهذا البعد الإنسانيّ الأخلاقيّ يكسبها شرعية إنسانية، لذا أخذ الراوي على رجالات الثورة الفلسطينيّة أنهم لم يدافعوا عن "الإنسانية" التي كانت تئدها الحروب، حين كانت النازيّة تقتل اليهود، في الوقت الذي كانوا يستجدون العطف والمساعدة مثلما يستجدي العرب والفلسطينيون النصرة من الآخرين دون أن ينجدهم أحد، مما يدلّ على أنهم كانوا خارج التاريخ، فصاروا ضحية من ضحاياه (ألم تروا في وجوه هؤلاء الذين سيقوا إلى الذبح شيئاً يشبه وجوهكم؟ لا تقل لي إنك لا تعلم، ولا تقل ما ذنبي؟ أنت وأنا وكل الناس في الكرة الأرضية، كان يجب أن يعلموا ولا يسكتوا ويمنعوا ذلك الوحش من افتراس ضحاياه بتلك الطريقة البربرية التي لا سابق لها. لا لأن الضحايا كانوا يهوداً، بل أيضاً، لأن ذلك الموت، كان يعني موت الإنسان فينا.... ربما كان يجب أن نفهم، لكننا - لكنكم كنتم خارج التاريخ، فصرتم ضحيته الثانية)(23).
إنّ وقوف الرواية عند الصراع العربي الإسرائيلي، من هذه الزاوية، رسالة إلى الصهاينة مفادها أنّ العدوان لا يصنع تاريخاً مشرقاً ولا يسطّر صفحات مضيئة فيه، فالحرب البعيدة عن المعيار الأخلاقي أخرجت كثيراً من الأمم من حضرة التاريخ في وجهه المشرق.