إذا كان للتاريخ سلطان، فمن الطبيعي أن تكون له سلطة.
أنت هنا
قراءة كتاب سلطة التاريخ
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
-3-
التاريـخ:
وقفت الرواية أمام مسألة التاريخ: مفهومه وحركته وصناعته وصورته التي اختلفت بحسب زوايا النظر إليه، في غير محور:
1- فقد نظرت بعضُ الشخصيات إلى التاريخ من زاوية "المصير المحتوم" الذي تنتهي إليه الحياة البشرية، وتذهب هذه الرؤية إلى أنّ الموت حقيقةٌ أزليةٌ وأنه المنتصر الدائم على الحياة، وأنّ كلّ ما عداه وهمٌ: الخلود والنصر والهزيمة. وبالتالي لا قيمة للاستيلاء على أوطان الآخرين طالما أنّ الموت يهزم الجميعَ والأرضُ تحتضنهم، لذا كان صدور بعض الشخصيات من هذه الرؤية اعترافاً بموتها واندحارها أمام الزمن، وتساءلت: لماذا يتقاتل البشر، إذن، إذا كانت الحياة فانية والأرض وارثة؟ لماذا يحتال الإنسان على الزمن بالتاريخ، فيتوهم الخلود ووراثة مَن سبقه؟
وحقيقة الأمر، فقد لاذت الشخصيات بهذه الرؤية من أجل أن تفسّر عجز الأمة وهزيمتها أمام الآخر في أرض الواقع، فكانت مهرباً من الواقع أو ملاذاً، فلا أقلّ من أن تعزّي نفسها، بأنّ الدنيا فانية والأرض تحتضن الجميع، ولهذا راحت تنعت التاريخ باللؤم وكره المنتصرين، بدل التحديق في المرآة وتحسّس الأخطاء والعيوب. وتقترب هذه الفكرة مما ذكره "فيكو" من أنّ "العناية الإلهية" هي التي توجّه البشر بطريقة غير مباشرة، وبالتالي ثمة تاريخ مرّت به كل الشعوب –كل على حدة – في مرحلة نشأتها ونموها وتطورها ونضوجها ثم تدهورها وسقوطها. وأشير في هذا السياق، إلى ما يوحي بالغموض والتعارض والازدواجية في بناء فيكو المذهبي بين "فكرة العناية الإلهية" وفكرة "الإنسان هو صانع تاريخه"، فكيف يتفق أن يصنع البشر تاريخهم في الوقت الذي توجّه فيه العناية الإلهية حركة التاريخ؟ وكان هذا من أسباب عدم فهمه في عصره وإغفاله فترة من الزمن. وهكذا يبدو أننا أمام صانعين اثنين لحركة التاريخ: الإنسان والعناية الإلهية(14). ويمكن أن يُفهم حديث فيكو على النحو التالي: أنّ الإنسان هو صانع التاريخ، غير أنّ هناك مراحل حتميّة في مسيرة كلّ أمة وكلّ شعب في النشأة والنمو والتطور والنضوج ثم التدهور والسقوط، أي أنّ ثمّة حتمية في التاريخ الذي يصنعه الإنسان، وهي الحتميّة التي نجدها في حياة الإنسان "الولادة، الشباب والقوة، ثم الضعف والموت". وهي الفكرة نفسها التي وقف عندها ابن خلدون في مقدمته عندما تحدث عن دورة الحضارات منذ نشأتها حتى انهيارها.