أنت هنا

قراءة كتاب الراوي: الموقع والشكل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الراوي: الموقع والشكل

الراوي: الموقع والشكل

يقدم هذا الكتاب دراسة لموقع الراوي في السرد الفني المعاصر من خلال قراءات لـ"التيه" لعبد الرحمن منيف، و"رائحة الصابون" لالياس خوري من كتابه "المبتدأ والخبر"، و"ميرامار" لنجيب محفوظ، و"موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

III

إن قيمة النص الأدبي (لا نبحث هنا في النصوص الفنية الأخرى غير الأدبية التي قد ينطبق عليها تساؤلنا هذا)، تقوم في علاقة هذا النص بمراجعه التي يحيل عليها. وهذه العلاقة بين النصّ وما يحيل عليه تنهض، عند القارئ على مستوى المتخيّل، أو الذاكرة، ويظهر معادلها الجمالي بواسطة قارئ يقيم هو بدوره علاقة/علاقات بين النصّ وما يحيل عليه (العالم، الحياة في وسعها وتعقدها). على أن العلاقة التي يقيمها القارئ ليست هي تماماً، أو بالضرورة، العلاقة نفسها التي تبني النصّ من قبل الكاتب... بهذا يبدو النص الأدبي مادة هاربة من الموْضعة التي تخضع لها المادة الفيزيائيّة مثلاً، وبهذا أيضاً يبدو النصّ الأدبي نصّاً متغيّر الدلالات أو مولَّدها وفق علاقة النص بموقع القراءة/القراءات. لئن كانت دلالات النصّ تولد في العلاقة بين النصّ كطرف وبين القارئ كطرف آخر، فإن هذه الدلالات تتنوّع وتختلف بتنوّع موقع القارئ واختلافه، أي بتنوّع واختلاف أحد طرفي هذه العلاقة، الذي هو طرف متغيِّر في الزمان والمكان، وفي الموقع الاجتماعي الذي له في هذا الزمان والمكان.
هكذا يبدو النص الأدبي نصاً قائماً في التأويل، إنه مادة ولكنّ قيمتها تنهض في علاقة، أحدُ طرفيها ليس ثابتاً.
على أن قيام النصّ في التأويل لا يعني تغيّره أو تبدّله هو، بل يعني تحوّله بالنظر إلى قيمه، ومن حيث هي قيم فنية. في هذا التحوّل تعيش النصوص تاريخيّتها، أي تعبّر عن اجتماعي ثقافي لها، يتحوّل بتحوّل مفاهيم الثقافة وقيمها.
وليس تحوّل مفاهيم الثقافة وقيمها سوى اندراجها في العلاقات الاجتماعية بين الناس، وفي ما هي رؤاهم وأحلامهم وصراعهم من أجل حياة فضلى، لهم فيها حريّة العيش والتعبير وفرحهما.
يدخل النصّ في القراءة فيتحرّر من صفاتٍ تغلقه على ذاته، وتحرّم النقد عليه، يدخل النص في القراءة فيصير مُنْتَجاً تمارس المعرفةُ نشاطها عليه.
لا نقد بلا قراءة ولا قراءة بلا قارئ، ولا قارئ بلا موقع، ولا موقع إلا في الاجتماعي. أو في العلاقات ذات الهويّة الاجتماعيّة.
من هذا الموقع في الاجتماعي، أو فيه على مستواه الثقافي، تكون القراءة علاقة نقديّة بين كلام النص الناطق، وكلام القراءة/النقد الصامت، أو بين كلام جاء إلى الكتابة، وكلام يساهم فيها: يؤوّلها، يسائلها، يحاورها فينطق.
لا تكون القراءة نقديّة بالتماهي مع النص المقروء، بالغياب فيه... بل باستنطاقه. على أن استنطاق النص له أدواته، أي سبله الخاصّة التي هي سبل النظر في نمط حركة العلاقات بين عناصر بنيته، وفي ما تنتجه هذه الحركة، إذ تمارس وظائفها، من دلالات.

IV

تحتاج القراءة/النقد إلى عُدّة هي الأدوات، أو الأدوات من حيث هي أحياناً مفاهيم. بهذه الأدوات أو المفاهيم تتمنهج القراءة، فتصير قادرة بهذه النسبة أو تلك، على رؤية النصّ في دواخله. تكشف مخبّأه ونتعرّف إلى ما يقول.
الأدوات، أو المفاهيم، ليست هي دائماً ذاتها، بل هي مختلفة، وإن اشتركت في موضوعها، الذي هو هذا النص، أو ذاك. تختلف الأدوات باختلاف مناهج القراءة، بل قل إن اختلاف المناهج هو، في وجه منه، اختلاف أدواتها ومفاهيمها، أو هو، أحياناً، اختلاف بعضها. على أن مثل هذا الاختلاف ليس بمعزل عن اختلاف المنطلقات الفكرية التي تعتمدها القراءة للنظر في النصّ. (المنطلق الاجتماعي مثلاً أو المنطلق النفساني، اللذان قد يستعينان ببعض الأدوات نفسها. إن اختلاف المنطلق يظهر أثره في تفسير الدلالات أي في الاستخدام الغائي للأداة).
لكن القول بالمنهج أو بقراءة منهجيّة، لا يعني عملاً آليّاً، أو تطبيقاً حرفيّاً لهذا المفهوم، أو ذاك، بل يعني الاستعانة بمعارف مفهومية تضيء سبل البحث، وتساعده على كشف ما يحمله النصّ، ما يقوله. فما يقوله النصّ (من قول بمعنى Discours ) خاضع لعمليّة صياغة، لأسلبة، تُخفي محمولها فيصير سراً. هكذا تبدو عمليّة إظهار الخفي، المضمر في الصياغة وإنطاقه عمليّة تحتاج إلى ما يساعدنا على تحقيقها، إلى أدوات، وإلا أصيبت بالتعثّر والفوضى، وقصرت عن الإقناع.
القراءة المنهجيّة هي تسلّح بالمعرفة، يستوجبه النصّ نفسه، من حيث هو نص ينبني بتقنيات، تشكل قواعد وقوانين نهوضه، كما تخوّله ممارسة وظائفه، نطقه الفني. لذا تصبح معرفة ما يحكم النص السردي مثلاً، من مفاهيم، أمراً ضرورياً يُمنهج القراءة ويمنحها قدرة الكشف، عن سريٍّ في النص، كامن في منطق تكوّنه، ومحرّك لدينامية هذا التكوّن. بهذا الكشف تنتقل القراءة إلى السؤال. تكشف القراءة المنهجية فتسأل، وتدخل في فعل المخاطبة والنقد.

الصفحات