أنت هنا

قراءة كتاب الراوي: الموقع والشكل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الراوي: الموقع والشكل

الراوي: الموقع والشكل

يقدم هذا الكتاب دراسة لموقع الراوي في السرد الفني المعاصر من خلال قراءات لـ"التيه" لعبد الرحمن منيف، و"رائحة الصابون" لالياس خوري من كتابه "المبتدأ والخبر"، و"ميرامار" لنجيب محفوظ، و"موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

V

لكن إذا كان التركيز على النص/المادة، أو النص/الموضوع، يوضح في الكلام الموجز الذي حاولنا، لماذا النقد قراءة. فإنّ هذا لا يعادل تماماً سؤالنا: لماذا القراءة نقد؟
ذلك أنه لئن كان النقد (والمقصود هنا بنوع خاص النقد الأدبي) لا ينهض إلا بقراءة نصّه الذي هو موضوع شغله، فإن القراءة يمكن أن تكون نقدية، أو أن تبقى مجرد تلقٍّ ساكن. في مثل هذه الحال قد يقتصر النقد على النقاد، ذوي الاختصاص، أو كُتّابه، أو قد يصير النقد حكراً على من هم في موقع السطوة على القارئ، أو قد يحوَّل النقد إلى موعظة لا مباشرة، إلى واحدية الموقف وإطلاقيته.
لئن كان هناك نقاد باحثون متخصصون يكتبون النقد تنظيراً، وحواراً ووجهة نظر، أو رأياً يندرج في نقاش ثقافي، فإن هذا لا يمنع من أن يصبح النقد قراءة، بل على العكس إنه يدعو، وفي خطوة أوسع منه وأشمل، ليصبح النقد مقدرة يملكها كل قارئ، كما أنه يؤكد، بالعودة إلى النقد والنقاد، على ضرورة أن يكون فعل قراءتهم للنصوص فعلاً نقدياً، وليس مجرد تكرار وتجيير لقِيم ابتذلها الزمن.
إن ما نود التأكيد عليه، إضافة إلى كون النقد بحثاً وتنظيراً، هو جعل القراءة معرفة. لكن لا معرفة بدون معين يخوّلنا إياها. ولا معرفة بدون سؤال نخاطب به النص فنحاور قولاً بقول.
إن النقد الباحث عن المعرفة هو نقد محتاج إلى منهجية، إلى أدوات مفهومية، إنه قراءة مستضيئة بأدواتها، قادرة على الانتقال من التلقي إلى المساءلة، من التقليد إلى التملك.
أن تكون القراءة فعلاً نقدياً، يعني أن يكون القارئ، ومن موقع معرفي في المجتمع قادراً على الرفض والقبول، وعلى أن يكون له حضوره النشط في التعبير الثقافي، فيساهم في إنتاج هذه الثقافة ويدخل في حركة زمنه ممارساً فعل التغيير باتجاه إبداع حياته الأفضل والأجمل.
هكذا يمكن القول بأن إنتاج الثقافة لا يعني كتابة النصوص، تحبيرها، ونقلها، بل يعني قراءتها أي نقدها وإبداعها في زمنها الاجتماعي.

VI

لكن، لماذا التأكيد على أن يكون الإنسان قارئاً مساهماً في إنتاج الثقافي في مجتمعه؟ ولماذا إيلاء القراءة/النقد مثل هذا الاهتمام؟
لعل جواباً موجزاً نجده إذ نلفت النظر إلى تنوع النصوص في زمننا الحاضر، وإلى كون الكثير منها، في تنوعه، غدا مؤسسياً مسخّراً، أو تابعاً لسلطة.
فالنص لم يعد فقط هذا النص الفني في أشكاله ولغات تعبيره المنوّعة، بل أصبح أيضاً نصاً مبثوثاً، مرسلاً بالصوت والضوء والحركة باتجاه أن تكون له سطوة علينا.
لقد تطورت وسائل البث وتقنيات إنتاج النصوص. تنوعت الرموز الإشارية، واستخدمت بطرائق جدّ معقدة، ومتطورة، لتركيب نص، فأمكن للعب التقني وللخدعة النظرية أن يمارسا أثرهما الإقناعي البالغ في من يتعامل، بسهولة، وبلا نقد، مع هذه النصوص، يشاهدها على الشاشة الكبيرة عموماً وعلى الشاشة الصغيرة خصوصاً، يسمعها أشرطة مسجلة، يراها تزين الشوارع والمحال، ينظر إليها في المصوَّر من المطبوعات... إلخ.
إن النصوص تحيط بنا، تتكاثر بأزيائها الباهرة، تحاصرنا، تغوينا، توفر علينا الجهد، جهد الفهم والمعرفة، تبثّ، توصل لتبقينا مجرد متلقين.
الثقافة، غدت، في جانب منها، منتجة من قبل هذه النصوص، خاضعة لما تخضع له، أي خاضعة لأن تكون ثقافة تلقين، وترويج وتوظيف... متحكمة مؤسّسيّة وصاحبة سطوة، لذا برزت ضرورة القراءة، أو هذا النشاط الشخصي النقدي: امتلاك سبل المعرفة بحقائق الأمور وقدرة مساءلتها.
ليس جائزاً أن يبقى «القارئ» مجرد متلقٍّ خاضعٍ لسطوة النص، عاجز عن كشف وظيفته القابعة في بنيته، مهدَّدٍ بأن يكون مثل إسفنجة تمتص كل ما يصلها، تنتفخ وتستسلم لعصرها أو لعبور الماء فيها.
للنصوص، على تنوعها، واختلاف رموزها الإشارية، محاميلها المختلفة التي هي أحياناً محاميل ثقافية قيِّمة (بالمعنى الإيجابي)، والتي هي أحياناً كثيرة، محاميل تمارس سطوتها، تهمّش القارئ وتلغي حضوره في الدورة الثقافية في المجتمع.
ولئن كنا هنا غير معنيين بدراسة هذه الرموز الإشارية(4)، فإن ممارسة النقد على نص، هو في دراستنا اللاحقة، نص سردي، قد تشكل خطوة في الطريق الطويل، طريق تحويل النقد إلى قراءة والقراءة إلى نقد.

الصفحات