كتاب " البناء الإجتماعي للمهدية في السودان " ، تأليف د. هدى مكاوي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2007 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب البناء الاجتماعي للمهدية في السودان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
البناء الاجتماعي للمهدية في السودان
(ب) أما المهدية عند أهل السنة : فنجد أن فكرة المهدى المنتظر راسخة لدى أنصار السنة , ويعتمدون على ما ورد فى بعض الأحاديث النبوية , وما ورد فى تأويلات بعض الآيات القرآنية . ومن تلك الأحاديث التى اعتمدوا عليها : " يظهررجل صالح من أهل بيت رسول الله يواطئ اسمه اسم النبى عليه السلام يحكم بالعدل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً " (63).
• وفى تصور الباحثة أن أنصار السنة تأثروا بالشيعة والمتصوفة ، إلاّ أنهم لم يشتطوا مثلهم . وقد اعتمد أنصار السنة على أحاديث نبوية نقلاً عن ثقات الأحاديث غير متشددين مثل : النسائى , إبن ماجه , أبى داوود . بينما لم ترد هذه الأحاديث فى البخارى ومسلم , فضلاً عن أنه لم يأتى لفكرة المهدى المنتظر ذكر فى القرآن صراحة (64) .
(جـ) المهدية عند المتصوفة : انتقلت فكرة المهدى المنتظر إليهم عن طريق من تتلمذ على يد علماء الشيعة , فنقلوا آرائهم عن المهدى المنتظر إلى التصوف بعد صبغته بصبغة صوفية , وقد وجدت هذه الآراء فى أذهان المتصوفة أيضاً تربة خصبة فتركت آثارها فى اتجاهاتهم الفكرية , ومن هؤلاء المتصوفة " محيى الدين بن عربى " , وهو من كبار الصوفة , وأول من وضع فكرة وحدة الوجود , وهو الذى قرب تصور الصوفية عن المهدى المنتظر إلى تصور الشيعة .
ويتصور الصوفية وجود دولة غيبية على رأسها شخص يدير شئون الكون , وهو الغوث أو القطب , وهو الواحد الذى يمثل موضع نظـر الله من العالم فى كل زمان , وتحت هذا القطب أعوان , هم الأوتاد الأربعة بعدد أركان العالم , والبدلاء السبعة , والنقباء الثلاثمائة والنجباء الأربعون , وهناك خاتم الأقطاب الذى يقوم بدور الساعد الأيمن للنور المحمدى , وهو الإمام المهدى المنتظر (65) .
وجاء تصور" ابن عربى " للمهدى المنتظر وفقاً لما ورد فى الأحاديث النبوية بأنه يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً , وأنه سيعز الإسلام بالسيف , ويرفع المذاهب , وأنه يقفوا أثر الرسول , يذكر " ابن عربى " فى هذا الصدد : أن لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاًً وعدلاً , ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد طول الله ذلك اليوم حتى يلى هذا الخليفة من عزة الرسول عليه السلام من ولد فاطمة , يواطئ اسمه اسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)" . وأن لهذا الخليفة ملكاً يسدده من لا يراه إن سلك الإلهام يبيد الظلم وأهله ... ويقيم الدين , ينفخ الروح فى الإسلام , يعز الإسلام بعد ذله , ويدعو إلى الله بالسيف , فمن أبى يقتل, ومن نازعه خذل ... يرفع المذاهب من الأرض أعداؤه مقلدة العلماء لما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمتهم ... يبايعه العارفون بالله من أهل الحقائق عن شهود وكشف بتعريف إلهى ... فشهداؤه خير الشهداء , وأبناؤه أفضل الأبناء , يعرف من الله " علم الغيب قدر ما تحتاج إليه مرتبته لأنه خليفة سدد (66) .
كما تناول " ابن عربى " فى كتاب آخر سماه " عنقاء مغرب " ، فكرة المهدى المنتظر فجعله ختم الولاية المحمدية , وأسمى مراتب الأولياء , وفى مرتبة أقرب من مرتبة النبوة الكاملة , وأكبر قطب صوفى فى دولة غيبية على رأسها الأولياء والصالحون .
وقد تأثر بهذه الفكرة لدى " ابن عربى " كثير من المتصوفة مثل " إبن وفا " فى مصر , " محمد عبد الكريم السمان " مؤسس الطريقة السمانية , " محمد عثمان الميرغنى " مؤسس الطريقة الميرغنية , " أحمد التيجانى " مؤسس الطريقة الختمية التيجانية , كذلك تأثر بها " محمد أحمد عبد الله المهدى " مؤسس الطريقة المهدية . فجعل تصور مهديته فى السودان امتداد للمهدية التى تصورها " إبن عربى " (67) .
ولو عقدنا مقارنة بين كل من تصور الشيعة ، المتصوفة عن المهدى المنتظر. يتضح لنا أن هناك علاقة بين الشيعة والمتصوفة فى جوهر فكرة المهدى المنتظر لأن كلا الفكرتين منطلقة من رؤية باطنية , فكما نجد الإمام عند الشيعة , نجد القطب أوغوث الزمان لدى المتصوفة . بيد أن الإمام يختلف عن القطب فى أن له سلطات دنيوية , ويتضح لنا مما سبق أن المتصوفة قد رفعوا فكرة المهدى المنتظر كطوق نجاة دنيوى يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية (68) .