أنت هنا

قراءة كتاب الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث

الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث

كتاب " الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث " ، تأليف د. ذوقان قرقوط ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2005 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 2

ولم يكتف المتكلمون باسم الشعب هذه المرة بما سبق لهم ، عندما رفض أمراء المماليك مشاركة الشعب فى الحكم ، أن ما شرطوه عليهم فى مواثيق تقول : « إن الأمراء تابوا ورجعوا والتزموا بما شرطه الناس بأن يكفوا ويكف اتباعهم عن امتداد أيديهم إلى أموال الناس ، وأن يسيروا فى سيرة حسنة »(6) وإنما حرر المجتمعون وثيقة بمطالب الشعب ، بعثوا بها إلى الوالى وعلقوا على قبولها انتهاء العصيان(7) . وتضمنت الوثيقة أربعة بنود رئيسية هى :

1 - عدم مرابطة القوات العسكرية فى القاهرة وضرورة انتقالها إلى الجيزة .

2 - عدم السماح للجنود بدخول القاهرة بسلاحهم .

3 - عدم فرض أى ضريبة على سكان القاهرة ما لم تنل موافقة المشايخ والأعيان .

4 - إعادة المراسلات بين القاهرة والوجه القبلى(8) .

وتذكر نشرة الوكلاء الفرنسيين بمصر المؤرخة فى 20 مايو ( أيار ) 1805 أن الوثيقة انطوت على 21 مطلبًا ، أضافت إليها الوثائق الإنكليزية مطلبًا آخر هو : « تخصيص جزيرة الروضة فى القاهرة للحانات وأماكن الترفيه عن الجنود » ، كما تضمنت بندًا يحظر شموليةفرض الضرائب على سائر أنحاء القطر المصرى ، وليس مقصورًا على القاهرة فحسب(9) . أما المؤرخ الجبرتى فقد اكتفى بقوله : « واتفقوا على كتابة عرضحـــال بالمطلوبات ففعـــلوا ذلك ، وذكروا فيه تعدى طوائف العسكر وإيذائهم للناس وإخراجهم من مساكنهم والمظالم والفرد وقبض مال الميرى المعجل أو حتى مصادرة الناس بالدعاوى الكاذبة وغير ذلك »(10) ودرءًا لأى احتمال قد يغير أو يهدد بتغيير القوى رأى السيد عمر مكرم ، خلافًا لرأى بعض كبار المشايخ أن يظل الشعب معبأً لا يلقى سلاحه .

إلا أن خورشيد ، الوالى العثمانى رفض الامتثال لمطالب الشعب ، عندها ذهب عمر مكرم - حسب رواية الجبرتى - فى اليوم التالى (13 مايو أيار 1805) ومن حولــه العلماء وجموع الشعب إلى دار المحكمة . فأغلق القاضى أبوابها ، مغبة العاقبة ، وتدخل وكيل الوالى وكبار رجال الحكومة لتهدئة الحال . إلا أن السيد عمر مكرم أصر على عزل الوالى ، وعقد لأجل ذلك مجلسًا فى منزل محمد على دعا إليه المشايخ ، وتصدر الحديث فتكلم عن تفاقم الموقف واستمرار الحروب والفتن ، وأنه لا مخرج فى رأيه إلا بعزل الوالى خورشيد ، وأنه « لابد من تعيين شخص من جنس القوم للولاية .. فقال الجميع الرأى ما تراه . فأشار إلى محمد على » فلما تظاهر بالتمنع قالوا له : « قد اخترناك لذلك برأى الجميع والكافة والعبرة رضا أهل البلد . وفى الحال أحضروا فروة وألبسوها له وباركوا له وهنأوه »(11) وحرروا وثيقة بذلك جاء فيها : تم الأمر بعد المعاهدة والمعاقدة على سيره بالعدل وإقامة الأحكام والشرائع ، والإقلاع عن المظالم ، وألا يفعل أمرًا إلا بمشورته ومشورة العلماء، وأنه متى خالف الشروط عزلوه وأخرجوه ، وهم قادرون على ذلك كما يفعلون الآن »(12) .

* * *

لقد جاءت هذه الصحوة ، واضحة ، فى أعقاب نجاح الشعب بطرد الفرنسيين وحرصه على حقوقه وأخلاقه ، وحميته هنا لم تكن تقل عن حميته بعد مضى ما يقرب من سنتين ، عندما هبَّ للتصدى لحملة فريزر . وردها على أعقابها خاسرة . كانت صحوة لا يخطئها البصر ولا البصيرة.. إلا أن آراء مؤرخى العهد السابق ، عهد أسرة محمد على مختلفة كليًا .. فشفيق غربال لا يرى فيها جديدًا . فإن مقدماتها ووقائعها تكاد تكون سنوية فى تاريخ مصر منذ الفتح العثمانى » ، ويرى أن وجه الأهمية كله أن محمد على هو الذى تولى الباشوية(13) ، تقليلاً لأهميتها ، ومن شأن عدم وفاء محمد على لوعوده وتعهداته . ولم يخطر فى باله وهو يكتب كتابه : « محمد على الكبير » أن يتساءل لماذا كان « الآخرون » من جميع الأجناس كبارًا فى عهد محمد على ، ما عدا أبناء البلد الأصليين : العرب .. ويزعم الدكتور لويس عوض - الماركسى الاتجاه - أن وصول محمد على إلى الحكم يعود إلى قدرته فى استغلال التناقض بين القوى المتنازعة ببراعة فائقة، ويصوره بالقادر على التحكم فى الأمور منذ البداية(14) كأنما النفس الثورى فى رأيه لا يعتلج إلا فى صدور البروليتاريا . فإذا ظهر محمد على بمظهر الزاهد فى المغانم ، والتزم جانب الاستقامة والرحمة ، وردع جنوده بأقسى العقوبات إن هم عاثوا فى البلد نهبًا وإرهابًا كغيرهم .. فإن سلوكه هذا المسلك ، ورضا الشعب به دون غيره، يعطى القيمة بالتحليل الأخير للشعب لا لمحمد على .. وإذا كانت العادة جرت فيما مضى على أن الأمراء يخلعون الوالى ، وإعطاء الديوان حق معارضته ، إلا أنه لم يسبق للشعب أن خلع واليًا عثمانيًا أو شارك فى خلعه . وقد تجاوز الأمر هذه المرة من الخلع إلى التعيين(15) إذ جاء فرمان التعيين من السلطان مؤيدًا لاختيار العلماء ، وتدعيمًا لرغبة(16) الشعب ، تم تكرر هذا التأييد على إثر مطالبة الشعب والعلماء ، وبإلغاء نقل محمد على باشا إلى سالونيك ، ونقل موسى باشا من سالونيك إلى مصر فى يونيو 1806(17) بدلاً عنه . وهكذا أذعن السلطان لأول مرة لإرادة « الفلاحين : أولاد العرب » .

الصفحات