كتاب " الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث " ، تأليف د. ذوقان قرقوط ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2005 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث
مشـايخ الوقـت :
إلا أن الناس العامة لم ينخدعوا بهم . فمنذ أن سعى الشيخ الشرقاوى والمهدى والسرمسى والفيومى بالوساطة بين كليبر وسمعوا بذلك : « .. قاموا عليهم وسبوهم وشتموهم وضربوا الشرقاوى والسرمسى ورموا عمائمهم ، وأسمعوهم قبيح الكلام؛ وصاروا يقولون هؤلاء المشايخ ارتدوا وعملوا فرنسيس ومرادهم خذلان المسلمين ، وإنهم أخذوا دراهم من الفرنسيس »(54) إلى أنهم ارتشوا بمغنى فى الحرب بين أهل البلاد والوافد لا وساطة . كما اقتحم الثائرون منزل الشيخ البكرى فنهبوه لذلك ، وأخرجوه منه مع حريمه وأولاده وساقوه حافى القدمين عارى الرأس فى شوارع القاهرة إلى مقر قيادة الثورة فى الجمالية والجماهير تحيط به وتسبه بأقذع أنواع الشتائم(55) وهى « ثرية » سهلت السبيل أمام محمد على فكان إغراؤهم على التمتع بملاذ الدنيا وهجر عيشة الورع والتقوى مدخله إلى تفريق صفوفهم(56) حتى استفحل أمر الخلاف بينهم على أمور الدنيا ، وراحوا يتسابقون عليها وغابت عن أبصارهم وبصيرتهم الأهداف العامة ، وذهبت جميع المحاولات لإزالة الفرقة بينهم سدى . فقد دعاهم الشيخ عبد الرحمن السجين إلى وليمة بقصد مصالحتهم « فاجتمعوا فى ذلك اليوم وتصالحوا فى الظاهر » ، وأولم لهم قاضى القضاة فتغدوا عنده وصالحهم وقرؤوا بينهم الفاتحة وذهبوا إلى دورهم « والذى فى القلب مستقر فيه » وإزاء ذلك كان محمد على يتنصل من دوره قائلاً « أنا لا ذنب لى .. وإنما ذلك من تفاقمهم مع بعضهم »(57) وهذا ما يفسر وصفهم فى الجبرتى بمشايخ الوقت .
وهكذا لم يستطع المشايخ الصمود على وفاقهم للوقوف إلى جانب السيد عمر مكرم فى وجه محمد على . استهواهم بالمغريات وتسابقوا بالانحراف ، فأمكنه ، غندما طالبوه بالترفق بالناس ، أن يقول لهم : « أنا لست بظالم وحدى وأنتم أظلم منى ، فإنى رفعت عن حصصكم الفرض والمغارم إكرامًا لكم ، وأنتم تأخذونها من الفلاحين » ، أفسدهم فشاركوه بالإفساد . وأخذوا يتصلون به سرًا ، ويتنصلون من العريضة التى وقعوا عليها . بل سرعان ما انفضوا من حول السيد عمر مكرم وانقلبوا عليه . فعندما اجاب السيد عمر مكرم على تلويح محمد على «بالسيف والانتقام» بقوله : « كما أصعدته إلى الحكـــم فإنى قدير على إنزاله منه »(58) ، كان قد أصبح وحيدًا ، غير قادر على ذلك ، ولم تعد الوقعة « زلامية » على حد قول الجبرتى !
وما لبث السيد عمر مكرم أن أدرك ذلك . يذكر الجبرتى أنه قال للمشايخ الذين جاءوا إليه ليقنعوه بالتفاهم مع محمد على مبررين له أعماله - كذا - أليس هو مجرد جور وظلم أحدثه فى العام الماضى وحلف أنه لا يعود لمثلها ، فقد عاد وزاد وأنتم توافقونه وتسايرونه ولا تصدونه ولا تصدعونه ، وأنا الذى صرت وحدى مخالفًا وشاذًا » . وصمد . وأمكن لمحمد على ، والحال هذه أن ينفيه ؛ ومضى إلى المنفى ولم يلن ولم يتراجع .
وبتبديد ريح المشايخ وانطفاء ذكرهم فى العمل العام ، وبنفى السيد عمر مكرم وإبعاده عن التأثير على التصــرفات العامة ، أخلى الطريق أمام محمد على لامتـلاك مصر وحرفها عن أمتها .