كتاب " الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث " ، تأليف د. ذوقان قرقوط ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2005 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث
الفصل الثاني : النكول بشرط التعيين
1 - العودة إلى فرض الضرائب :
بفضل انتفاضة الشعب فى وجه العسف والفساد ، توصل الفلاحون أهالى البلاد إلى إقرار حقهم ( الدستورى ) وإثباته فى وثيقة تقول : « إن الأمراء تابوا ورجعوا والتزموا بما شرطه الناس بأن يكفوا وأتباعهم بمد أيديهم إلى أموال الناس ، وأن يعاملوهم معاملة حسنة »(34) . ولكن هذا لم يحل دون تكرار الأزمة عند تبديل الولاة . فقد جرى تعيين والٍ جديد فى أعقاب خروج الفرنسيين هو أحمد خورشيد ، وكان محمد على مايزال وافدًا جديدًا حياديًا بين المتصارعين . وأدت الأزمة الجديدة إلى الإجماع على ضرورة عزل الوالى الجديد ، واختيار محمد على للولاية . واستصدار فرمان بذلك ، والتعاقد على شرط واضح فى الحكم مثبت فى وثيقة تنص على : « إن للشعوب طبقًا لمما جرى به العرف قديمًا ، ولما تقضى به الشريعة الإسلامية ، الحق فى أن يقيموا الولاة ، ولهم الحق أن يعزلوهم إذا انحرفوا عن سنن العدل وساروا بالظلم ، لأن الحكام الظالمين خارجون عن الشريعة »(35) .
بدا محمد على بعد مرور سنتين على تعيينه أنه ملتزم برأى المشايخ ، لا يقطع أمرًا دون مشورتهم ، طالما أنه بحاجة إليهم للوقوف فى وجه المماليك ، والعثمانيين ، والإنجليز ، والزبانية الطامعين بولاية مصر، ولدعمــه لدى السلطان العثمـــانى. لقد أخذت حاجته للمال وطلبـــه المزيد تزداد ، فقبل جلاء الإنجليز عن مصر ، فى أواخر 1807 ، طلب محمد على - غير الألف كيس التى جبيت فى نيسان ( أبريل ) من نفس العــام لأجل الحـــرب - مساعدة السيد عمر مكـــرم فى جباية ألفى كيس ( عشرة آلاف جنيه ) . فاعتذر الأخير ولم يوافق ، فجباها محمد على من التجار بذريعة أنها قروض ولكن بشىء من الإكراه . وفى عام 1808 فرض محمد على ضريبة جديدة على الفائض بمقدار الربع . بحجة دفع مرتبات الجنود المتأخرة . فعارضه السيد عمر مكرم خشية أن يصبح ذلك تقليدًا ، إلا أن محمد على أقسم على أنها لن تفرض إلا هذه المرة « وأنه يكون ملعونًا ومطرودًا من رحمة الله » إذا كرر فعله ، وعاهد السيد عمر مكرم على هذا القول فقبل .
انتهز محمد على فرصة تكرار طلبات السلطان لتجهيز حملة لمحاربة « الوهابيين » فى الحجاز ، فطلب فى شباط ( فبراير ) 1808 ، جمع 24 ألف كيس ( 820 ألف جنيه ذهبًا ) ، فحصل ارتباك واضطراب ، وشاع الخبر فى الناس وزاد بهم الوسواس(36) ، وفى آب ( أغسطس ) 1808 فرض ضريبة قدرها أربعة بالمائة على كافة أنواع الحبوب والمأكولات التى تباع فى الأسواق والميادين والشوارع(37) وأتبع ذلك بفرض ضريبة ختم على المصوغات الذهبية والفضية ، وبضرائب على سائر أنواع السلع حتى « المغالات التى هى الصرم والبلغ » فأصبحت لا تباع سلعة دون أن تكون مختومة بخاتم الحكومة(38) . لكن إجراءاته التى اتخذها فى عام 1809 كانت أشد إثارة للناس ، فقد وضع يده على الأراضى والعقارات التى خصصت للإنفاق على المساجد والأسبلة والمدارس وغير ذلك من وجوه البر وجميعها معفاة من الضرائب ، ليس للوارث حق التصرف فيها وعدم المساس بالوقف . ثم أمر بمصادرة نصف الفائض ، وبفرض ضرائب على أطيان الأوسية التى يزرعها الفلاحون بالسخرة لحساب الملتزمين ، وكانت معفاة سابقًا مقابل استضافة موظفى الحكومة عند مرورهم بجهة الالتزام . وكان المشايخ وطائفة كبيرة من سواد الشعب يعتمدون فى معاشهم « على ريع هذه الأملاك والأراضى المرصدة عليهم » أو على تجارتهم فى السلع . لذلك ازدحمت أحياء القاهرة بالساخطين والمتذمرين والمتظاهرين ، ومن بينهم السيدات والأطفال ، ممن أصبحوا مهددين بالحرمان من استحقاقاتهم فى الأوقاف وخيراتها(39) . وتوجه الناس كالعادة إلى الأزهر فأوقف العلماء حلقات الدرس ، وتداعوا إلى الاجتماع بقبلة المسجد ، وأرسلوا فى طلب عمر مكرم واستقــر رأيهم على توحيد كلمتهم ونبذ خلافاتهم ، والوقوف صفًا واحدًا فى المطالبة بإلغاء جميع الضرائب المستحدثة . وفى اليوم التالى ، أول تموز ( يوليو ) 1809 اجتمع زعماء المشايخ ، ووضعوا مذكرة بذلك نقلها سكرتير محمد على ، وتعاهدوا على مقاطعته إذا لم يستجب لمطالبهم والكتابة بشأنه إلى السلطان .