كتاب " الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث " ، تأليف د. ذوقان قرقوط ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2005 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث
2 - التصدى لحملة فريزر :
القارئ للجبرتى يحس أن السيد عمر مكرم أخذ يمثل « روح » الثورة فى الشعب حينئذ . فما أن انتهى من أمر الألفى ، حتى واجهه نزول الإنكليز فى الإسكندرية (1807) ليحققوا ما فشل فى تحقيقه بونابرت بالحملة الفرنسية فى مصر ، فهب يعبئ الشعب لمقاومتهم فى كل مكان .. فكانت ترده الرسائل ويوالى عقد الاجتماعات لإطلاع المشايخ عليها ويقرر ما يجب عمله ، ويحرص على تلافى الفوضى واستغلال الجنود لها فى أعمال السلب والنهب وإيذاء الناس . فقد روى الجبرتى شكاوى الأهالى إليه فرار المدافعين عن الإسكندرية ، ومرة شكوى من كاشف مدينة دمنهور ، ومرة شكوى ما أصاب الجنود من ذعر والهروب بالأسلحة والذخائر(26) . فقد كتب بتاريخ 7 إبريل ( نيسان ) عام 1807 رسالة إلى نقيب الأشراف فى رشيد يرجوه فيها « الإمداد بالرجال والجنجانة والعدة والعدد وعدم الإهمال »(27) ويؤكد الجبرتى على ما يبذله رجالات البلاد من نشاط هائل غير معتاد فى التشاور والتراسل لتحمل المسئولية .
وخشية أن يتخطى الإنكليز خط المقاومة الأول ، أمر عمر مكرم بتعطيل الأزهر(28) ليتفرغ المشايخ المدرسون للجهاد . فكان يذهب صبيحة كل يوم تتبعه جماهير كثيفة العدد إلى حيث يشتغل العمال فى إقامة الاستحكامات . وقد أعدت له خيمة خاصة يظل فيها أحيانًا طوال النهار، وكان حضوره يثير الحماس والشجاعة فى نفوس الناس ، وقد تولى الميسورون من أبناء الشعب اقتسام أجور العمال ودفعها لهم(29) . وتمكن الشعب فى 30 من آذار - مارس - 1807 - بينما محمد على مايزال يتلكأ ويناور فى الصعيد - من الانتصار فى رشيد علىالإنكليز ، وتحدث قنصل إنجلترا « ميسيت » عن هذا الانتصار فقال : إن العالم بأسره ستعتريه دهشة بالغة حين يسمع أن مدينة مثل رشيد قد استعصت على جيش أوروبى حديث(30) .
كان محمد على فى الصعيد حين نزول فريزر إلى البر متوجهًا إلى رشيد واستنجاد الناس به لصده . ويذكر الجبرتى أن الاجتماعات راحت تتكرر تارة فى منزل عمر مكرم ، وأخرى فى منزل نائب محمد على لدراسة المواقف ، فتقرر طلبه « ليستعد لما هو أولى وأحق بالاهتمام » ويصف وقع الخبر عليه بقوله : « .. داخله وهم كبير .. ارتبك فى أمره .. انحلت عزائمه .. » وأخلى الصعيد ونزل متلكئًا قاصدًا القاهرة « يظن سرعة ورود الإنجليز إلى المدينة فيسير مشرقًا على طريق ، ويكون له عذر بغيبته فى الحملة(31) فلم يصل القاهرة إلا فى يوم 11 نيسان ( أبريل ) 1807 أى بعد انتصار الشعب فى رشيد على الإنجليز فى 30 آذار ( مارس ) 1807 .
وفى 9 نيسان ( أبريل ) بعث أهالى رشيد برسالة إلى عمر مكرم تنبئه بعودة الإنجليز بعد هزيمتهم إلى ناحية « الحماد قبلى رشيد ، ومعهم المدافع الهائلة وعدة القتال ، ونصبوا متاريسهم فى ساحل البحر إلى الجبل عرضًا .. « وعندما وصل محمد على القاهرة حضر إليه وفدمن المشايخ يعرض الأمر عليه ، طالبين السماح لهم بالخروج « للجهاد مع الرعية والعسكر » ، ولكنه طلب منهم إعفاء أنفسهم من مهمة الاشتراك فى الدفاع عن بلادهم قائلاً : « ليس على رعية البلد الخروج للقتال ، وإنما عليهم المساعدة بالمال والمؤن للعسكر »(32) .
ورغم موقف محمد على هذا ، فقد توجه إليه عمر مكرم مرة أخرى يعرض عليه رسالة وردته من رشيد فى 14 نيسان ( أبريل ) 1807 تفيد بأن الإنجليز « يحاصرون بالثغر ومتحلقون حوله ويضربون على البلد بالمدافع والقنابر ( القنابل ) » فتظاهر محمد على بالاهتمام واعتزامه السفر بنفسه وطلب الاستعجال بجباية الألف كيس التى طلبها من قبل لتجهيز الحملة فجبيت ، ويصف الجبرتى لوعة المرارة ، لعساكر الباشا الذين كانوا يذهبون إلى بولاق ليوهموا الشعب أنهم ماضون فى سفرهم لمحاربة البريطانيين ، ثم يعودون ويراهم الناس فى اليوم التالى ، أو يذهبون إلى المنوفية والغربية ويجمعون ما تصل إليه قدرة عسفهم من مال ومغارم فيخطفون البنات والنساء والماشية .. ويقول الجبرتى بهزء وسخرية « هكذا يفعل المجاهدون » ثم يضفى على اللقاء الفاصل مع الإنجليز فى معركة الحماد بالقرب من رشيد ، طابع معركة عربية شعبية شاملة لا شعبية مصرية حسب . فبعد أن يذكر فى جملة المتطوعين تاجرين من أهل مكة يقيمان فى القاهرة ، استقدما معهما مائة من البدو والمغاربة يقول : « وكانت الحملة تضم الكثير من أهالى بلاد البحيرة وغيرها ، وأهالى رشيد ومن معهم من المتطوعة والعساكر وأهل دمنهور » ثم علق عليها بقوله : « وليت العامة شُكروا على ذلك ، أو نسب إليهم فعل النصر ، بل نسب كل ذلك للباشا وعساكره »(33) .
* * *