أنت هنا

قراءة كتاب الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث

الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث

كتاب " الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث " ، تأليف د. ذوقان قرقوط ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2005 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 6

كان لابد من وقوع الاصطدام بين محمد على والسيد عمر مكرم : ليس فقط لأنهما يمثلان سلطتين متناقضتين ، متعاكستين ، أحدهما يمثل الطموح إلى الحكم والسلطة ، والثانى المدافع عن حقوق الشعب بالثورة ، ولكنه لم يعرف بعد ما يريد منها ولم تتضح معالمها ، إلا أنه يعارض تصرفات وإجراءات الحاكم التى يراها الشعب فى غير صالحه ، ولم يكن جميع ما يسعى إليه محمد على لصالح الشعب . لقد حضر من قونيا تراوده أحلام اعتلاء سدة الحكم . وكانت مصر قبل بونابرت تداعب أحلام الطامحين . فإذا كان العرب لتلاشى العارفين بينهم والواعين للتاريخ فى أوروبا ، كان وعيهم بأهمية مصر يزداد على مر الزمن . لأن الأوروبيين أخذوا بالتقدم ، وكلما تقدموا ازدادت حاجتهم إليها لازدياد ارتباطهم بالثروات الخام والأسواق وراء مصر . كما أن جميع دول أوروبة المتنافسة فى التجارة لم يعد يرضيها اقتصار وجودها فى مصر على محلات تجارية ، ووكالات محدودة فى الثغـــور مهددة دائمًا . وخاصة أن عددًا مــحدودًا من الأوروبيين ، لا يتمتع بحرية التجول إلا بنطاق محدود ، تنبحهم كلاب البلاد أينما رأتهم كما يقول عبد الله النديم .

وصل محمد على إلى مصر بجنسية عثمانية، ولكن بعقل أوروبى، وقد وعى منذ البداية ماذا تعنى الدولة العثمانية بالنسبة إلى أوروبة ، وسيطرتها على مصر بدل المماليك ، وماذا تعنى مصر فى نظر أوروبة ، وماذا تريد أوروبة منها . فقد كتب الضابط بريديه Pridier فى كتابه « عائلة » أن فرنسا أوفدت إلى مصر « ماثيو ليسيبس » عقب خروج الفرنسيين ، لدراسة القوى المتصارعة على الحكم فى مصر ، ولاقتراح الشخصية الجديرة بدعم نفوذ فرنسا . فجاء الاقتراح على شخص محمد على . أما القوى المتصارعة ظاهريًا فكانت إنجلترا ، فرنسا ، الدولة العثمانية ، ولم يكن يحسب أى حساب للعرب أهل البلاد ؛ وجاء فى كتاب بريديه تاريخ أسرة ص 129 :

« كان دولسبس الأداة الأولى لارتقاء محمد على فى مصر ، إذ كانت مهمته البحث فى مصر عن رجل ، قوى الشكيمة ، قادر على ضبط النظام ، بالتغلب على المماليك ، المعارضين للسياسة الفرنسية . فاختار الجنرال محمد على ليرشحه إلى حكومته » .

وهكذا يقرر ، منجن Mengin أول مؤرخ لسيرة محمد على أن قنصل فرنسا العام دروفوتى كان يحرص كل ليلة ، على التسلل إلى مقر محمد على ليطلعه على مجريات الأمور ، ويتداول معه بشأن ما يجب عمله ، وقد أقر فيما بعد الخديوى إسماعيل ، فى منفاه ، هذا الاختيار والدعم اللذين تمتعت بهما أسرته من قبل القوى الأوروبية لارتقائها الحكم فقال :

« أنا من أسرة محمـد على ، ونحن جميعنا نعرف ونقر بدعم فرنســا الذى منحتنا إياه دائمًا» .

هذا ما ورد فى كتاب منجن Mengin أول مؤرخ لمحمد على . لكن هذه الحقائق طمست ولم يعد أحد يتذكرها . وعندما استدعى مؤرخان لبنانيان من الجامعة الأمريكية ببيروت للإشراف على كتابة تاريخ محمد على ، قاما بإسقاط العديد من وثائق تلك المرحلة .

2 - تبرير انحراف محمد على :

ذهب بعض المؤرخين إلى تصوير الصدام بين محمد على وبين « الزعامة الشعبية » الفتية ، على أنه صدام بين مرحلتين فى سياق تاريخ واحد : عهد الفوضى والفقر والضعف وعهد النظام واليسر والقوة . ويحملون مرحلة ما قبل محمد على مجمل مساوئ الحكم العثمانى والمماليك . بينما يضعون مرحلة حكم محمد على فترة من التنظيم والقوة ويتغافلون عن غير ذلك . كأنما الشعب لا يعنيهم ؛ بل رضا السيد هو الأهم . ولما كانت وسيلة هذا السيد إلى عهده الجديد هى توفير المال فإنه لم يستطع توفيره إلا « بضبط الحسابات القديمة ، أو فرض الضرائب الجديدة والاعتداء على الحقوق المكتسبة »(40) . ومن هنا جاء إخلاله بالمواثيق التى أخذها على نفسه واصطدامه بالزعامة الشعبية التى اعتبرت نفسها وصية عليه ورقيبة ، مما دعاه إلى التخلص منها .

بيد أن ما فرضه وما نظَّمه واحتكره لم يكن لإزالة « الفوضى والفقر والضعف » ، بل كان تصميمه فى وضع خطط الكشف والضبط والتحقيق ، وحاجته الشديدة للموارد المالية لمواجهة طلبات الجند الألبانى المستمرة والمتزايدة ، ولشراء تأييد رجال الدولة فى إسطنبول لإبقائه فى منصبه ، وتنفيذ خطته لحل مشكلة الأمراء بحملهم على الاستقرار فى القاهرة والجيزة فى عيش هنئ(41) ، لمراقبتهم . والهدف من هذا كله الحصول على القوة التى تمكنه من القضاء على الزعامة الشعبية ، لأنه ببقائها لا يستطيع تحقيق مطامعه فى الحكم والاستمرار فيه . إن أصوله ليست من أصول الشعب ليهمه الشعب أو يشعر بآلامه . فلا ننسى أنه ألبانى .

الصفحات