أنت هنا

قراءة كتاب الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث

الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث

كتاب " الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث " ، تأليف د. ذوقان قرقوط ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2005 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 3

ويرى مؤرخون آخرون أن وقوف الشعب فى وجه الوالى أحمد خورشيد وموافقته على اختيار محمد على واليًا ، وتثبيته يوم 12 و13 مايو ، كانا بتأثير الحملة الفرنسية . إن هذه الرؤية فى غير مكانها ، إن صح تحقق هذا الأثر فيما بعد ، حيث لم تجف دماء الشعب التى سفكهاالفرنسيون (1805) ، وكانت أوامر بونابرت لقادته بتنفيذ عقوبات الإعدام بالمعارضين من الشعب ، بقطع رؤوسهم والطواف بها فى الشوارع لإرهاب الناس كما كان يفعل محمد على(18) وجاء تعليل المؤرخين لهذه الصحوة الشعبية وتجنب إسنادها إلى ذاتية الشعب بضغط واضح من الإعلام البريطانى الذى أشاع بأن الشعب المصرى مسكين مسالم ، دائم الخضوع لحكامه لم يرفع رأسه منذ أيام الفراعنة . ومن وجهة نظر أخرى فإن هذا الإعلام تغافل الحديث عن صحوة الشعب ونضاله ، خشية أن يقودهم سياق الكلام إلى الحديث عن خداع محمد على ، الذى كان اختياره سابقةً لم يحدث مثلها من قبل ولا حدث من بعد ، وإذا كان هناك تاريخ مرحلة يجب إعادة كتابته فهو تاريخ مرحلة حكم محمد على وأسرته .

وبالعودة إلى مؤرخ المرحلة المزامن عبد الرحمن الجبرتى والنظر فيما كتب ، نجد أن ما كتبه عن يومى 12 و13 مايو - أيار - 1805 يعتبر وثيقة هامة ، لا يخرج فى حقيقته عن إطار التصور الإسلامى العام للحكم فى الوطن العربى . وهو تصور نعثر على أمثلة كثيرة له فى تاريخ نضال الشعوب العربية ضد الأجنبى ، إنه تصور ينطوى على مفهومين للحكم الإسلامى : عربى ، وأعجمى ، يكشف عنهما الحوار الذى سجله الجبرتى بين السيد عمر مكرم قائد الحركة الشعبية وعمر بك الأرناؤودى الألبانى أكبر أعوان الوالى التركى أحمد خورشيد : « قال الأرناؤودى : كيف تعزلون من ولاه السلطان عليكم وقد قال الله تعال : ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ( فقال له عمر مكرم : أولو الأمر العلماء ، وحملة الشريعة ، والسلطان العادل ، أما هذا فهو رجل ظالم . وجرت العادة من قديم الزمان أن أهل البلد يعزلون الولاة ، وهذا شىء معروف ، وحتى الخلفية والسلطان إذا سارا فيهم بالجور فإنهم يعزلونه ويخلعونه ، ثم قال البك : كيف تحصروننا وتمنعون عنا الماء والأكل وتقاتلوننا ؟ نحن كفرة حتى تفعلوا معنا ذلك ؟ قال عمر مكرم : أفتى العلماء والقاضى بجواز قتالكم ومحاربتكم لأنكم عصاة . فقال البيك : إن هذا القاضى كافر ! فقال عمر مكرم : إذا كان قاضيكم كافرًا فكيف بكم ، وحاشاه الله من ذلك ، إنه رجل شرع لا يميل عن الحرف .. »(19) . ولقد أفتى الشيخ محمد المهدى ، أحد علماء الأزهر ، حينئذ : «إن للشعوب طبقًا لما جرى به العرف قديمًا ، ولما تقضى به الشريعة الإسلامية ، الحق فى أن يقيموا الولاة ، ولهم الحق أن يعزلوهم إذا انحرفوا عن سنن العدل ، وساروا بالظلم، لأن الحكام الظالمين خارجون عن الشريعة»(20). وإذا قارنا منطوق فتوى الشيخ الشيرازى فى العراق لمحاربة الإنكليز ، والشيخ الإبراهيمى فى الجزائر لمحاربة الفرنسيين والقوى المجاهدة للحصول على الاستقلال من أيدى أرباب « الانتداب » الذين يتعلل لهم أولو الأمر فى بلاد الشام ، فإننا لا نجد بينها اختلافًا فى الفحوى. ذلك أنه يقر فى الفكر السياسى نظرية إسلامية عربية واحدة هنا وهناك ينبع منها حق الشعب فى عزل الحكام الجائرين غير العادلين .. ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ( ( سورة البقرة 124 ) . فالعدالة شرط لاستحقاق الإمامة ، بل أول شروطها السبعة، وهى أساس لطاعة المحكومين(21) .

ولم تكن صحوة الشعب فى يومى 12 و13 أيار ( مايو ) شعلة أضاءت ثم انطفأت بالوقوف فى وجه ولاية أحمد خورشيد وتحقيقها أهدافها . بل ظلت مصاحبة لكفاح الشعب المصرى المدعوم بقوى جاءت من أقطار مغربية وشامية وحجازية(22) لمحاربة الفرنسيين ، ولم يقف النجاح عند إلغاء تعيين وال واستبداله بوال آخر ، أو إلغاء فرمان نقل وال اختاره الشعب باستصدار فرمان تثبيته .. بل تعداه للمطالبة بإلغاء أية ضريبة ، دون موافقة الشعب ممثلاً بالمشايخ والعلماء(23) (بمعنى لا ضريبة دون تمثيل No- texation wilhaut Represention ) .

إلا أن صحوة الشعب هذه لم تخبُ ، فقد أعدت نفسها لمواجهة الألفى عميل إنكليزى حين انتقل بقواته من حوش عيسى بالبحيرة ، وأذاع بيانًا باسم السلطان يطلب الولاء والطاعة ، ويعد المتعاونين معه بالمكافأة ؛ فأسرع الأهالى بالتحصن وتوجهوا بنداء إلى محمد على أرسلوه بواسطة عمر مكرم . إلا أن الألفى ومماليكه سحقوا جنود محمد على فى معركة دامية فى النجيلة ، حتى أن النيل امتلأ - على ما يذكر الجبرتى - بطراطير الدلاة(24) فتولى السيد عمر مكرم بعدها القيادة وتنظيم الدفاع عن دمنهور وإمدادها ، فطال حصار الألفى لها ثلاثة شهور ، ولم يتمكن من الاستيلاء عليها(25) وكان السيد عمر مكرم يوالى على إحضار المحتسب ، ويأمر بالمناداة . فيمر فى الطرق والأزقة « وأمامه المنادى يقول : حسبما رسم السيد عمر الأفندى والعلماء على جميع الرعايا بأن يأخذوا حذرهم وأسلحتهم ويحترسوا فى أماكنهم ، وإذا تعرض لهم عسكر بأذية قابلوه بمثلها وإلا فلا يتعرضوا لهم .. » .

الصفحات