أنت هنا

قراءة كتاب أشياء لا تموت

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أشياء لا تموت

أشياء لا تموت

كتاب " أشياء لا تموت " ، تأليف محمد عيتاني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

هذا الوضوح في مواقف محمد عيتاني من الأحداث والناس هو الذي يضفي على أسلوبه وقصصه حرارة وتوهجاً وزخماً يستهوي القارئ الذي لا يخيفه عنف اللهجة، ولا تجفله رنة الصدق والصراحة في تسمية الأشياء بأسمائها. ولكن، في المقابل، هو لا يعدم إثارة للمخاوف والعداوة عند أولئك الذين علمتهم عادات اجتماعية وثقافية قائمة على الكثير من التمويه والتملق والفلسفة «العين لا تقاوم المخرز» رفض كل صوت ينبض بالحقيقة الجارحة، وكل نبرة يشتمون فيها عدم الرضى عن الأوضاع القائمة أو عدم التسليم بقداسة المسلّمات.

ولكن ما لي أتحدث عن محمد عيتاني أكثر مما أتحدث عن قصص مجموعته التي يفترض أن أقدمها للقارئ من زاوية لا أدري سبباً لجر القارئ إليها.

تتألف هذه المجموعة من قصص عديدة متفاوتة الأجواء والإيقاع.

وبوسعنا أن نصنف هذه القصص في فئات ثلاث تختلف عن الموضوعات التي تعالج وحتى في الأسلوب القصصي الذي يعبّر به المؤلف عن المحتوى.

الفئة الأولى تضم القصص التي تتناول مواضيع شتى وتبدو امتداداً أو ترجيعاً منظماً لحوادث جرت أو يمكن أن تجري كل يوم في حياة مجتمعنا بمفهومه الأعم؛ فحاول المؤلف إبراز الجوانب الفاجعة أو المضحكة من هذه الأحداث لتأكيد بعض الحقائق والقِيم التي يؤمن بها، ومدى ما تكسبه أو تخسره من تطورات الأحداث التي يرويها.

وتدخل في هذه الفئة:

1 ـ قصة «احتكاك» التي تمثل الانحلال الخُلقي الذي أحدثه تدفق الأموال الغريبة على مجتمعنا اللبناني.

2 ـ قصة «في الغابة» التي تمثل البؤس الرهيب الذي يتخبط فيه اللاجئون الضائعون في إحدى البقاع النائية، وتعرضهم الدائم للمعاملة الوحشية من قبل بعض القيمين على القانون، ولمخاطر العيش في إطار طبيعي لا يرحم.

3 ـ قصة «أحمد القباقيبي» التي تروي جشع الذين يقومون خلف شركات التأمين ولقاءهم، في نهاية المطاف، مع عصابات تهريب المخدرات في سلوك كل الدروب الممكنة لابتزاز أموال الناس.

4 ـ قصة «الصوت والصدى» التي تحكي قصة مغنية قادتها بهارج أضواء الشهرة إلى تدمير ينابيع الطهر والطمأنينة والهناء في حياتها ودوس كل قلب يقودها إلى الحب والنقاء.

5 ـ قصة «الثلاثية الطبية»، وهي تروي الجوانب المفزعة والجرائم المخيفة التي تجري في عالم المستشفيات الذي غزته غرائز الكسب المادي فقوضت كل القِيم المفترضة في أصحاب الأردية البيضاء وسدت الدرب على عواطف الرحمة والعطف والرأفة التي يفترض تجسدها فيهم.

6 ـ «ذكريات قصصي»، وهي تصور، بأسلوب جد ساخر، المغامرات الذهنية التي يمر بها قصصي ناشئ في علاقته مع دار الإذاعة، التي لم تتجاوب معه إلا عندما انحدر بأسلوبه القصصي إلى مستوى التفاهة.

7 ـ «الجياد الغاربة»، وهي تصور الساعات الأخيرة، المزدحمة بالهذيان واليأس، من حياة أحد الطغاة المحليين، من فئة إقطاعيي القُرى الصغيرة؛ فتظهر كيف انتهت ذكريات عيشه الحافل بالجرائم المنكرة إلى خنق ضراوة قواه المتحفزة للشر.

وتتميز هذه القصص بكونها تعتمد تصوير ألوان شتى من المواقف والشخصيات والوجوه والأمزجة والعلاقات التي تتحرك أو تجري في أجواء وعوالم يعرفها جميع الناس، وليست ملكاً خاصاً للمؤلف ولا تتصل بذكريات نشأته أكثر مما تتصل بحياة أي فرد لبناني آخر. ويصحّ أن نعتبر هذه القصص امتداداً للون القصصي الذي سمي منذ لابرويير «دراسات لوجوه ونفسيات».

أما الفئة الثانية من قصص المجموعة، فتتناول، على العكس، من زوايا متعددة، حياة «رأس بيروت»، هذا الحي الذي وُلِد فيه المؤلف ونشأ وترعرع ونمت حساسيته. وعندما نعلم أن هذا الحي كان أول الأحياء البيروتية التي أصابتها أعمق التحولات في نهج العيش مع تغير طرق العمران وانتقال الملكيات الذي تمّ هنا على أوسع نطاق عرفته زاوية لبنانية، وعندما نعلم أن هذا الحي كان مسرحاً لأكبر عملية تشريد وتهجير وبالتالي لعملية تمزق في حياة أهله الأصليين، الذين رأوا أنفسهم، في مدى جيل واحد، يصبحون غرباء على الأرض التي عمرها أجدادهم وعمرت مخيلاتهم بالأحلام والذكريات الحلوة والمرة، عندما نعلم ذلك نقرر مدى الخدمة التي يسديها لنا محمد عيتاني في محاولته الفريدة لنقل بعض اللوحات الواقعية من حياة هذا الحي المولِّية دون رجعة، ولتسجيل بعض المشاهد الحية من أنماط العيش التي كان يحياها بسطاء الناس فيه ولتصوير أحاسيسهم وآمالهم ومطامحهم وألوان كفاحهم وعاداتهم وحتى لغتهم الخاصة بهم.

الصفحات