كتاب " أشياء لا تموت " ، تأليف محمد عيتاني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب أشياء لا تموت
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

أشياء لا تموت
وفجأة نهض صاحبنا، وهو يشتم كل سمج وثقيل، ومصانع الحليب في العالم، وخرج حافياً إلى الشارع، ووصل إلى التنكة. كانت تنكة حليب. صفراء. تلمع تحت ضوء الكهرباء. واقترب منها حانقاً، مهتاجاً، ورفسها بأقوى ما يستطيع، فطارت نحو باب كوخ قريب، يفصله عن الشارع حاجز خشبي، وقفص كبير، وأحس في رجله ألماً لا يطاق.
سقطت التنكة على الباب، فدوت بشدة، وتصاعد نباح شديد، وخرج كلبان أو ثلاثة كلاب مهتاجة قطعت عليها المفاجأة خلوتها المسائية، وأخذت تطارد الشاب عبر الشارع... حتى أدركته عند باب منزله...
* * *
بعد أن أنهيت صياغة قصة التنكة والكلب، أرسلتها إلى دار الإذاعة، بشعور من أصبح الفشل عشيره الدائم.
ولكن قصة «التنكة والكلب» أعجبت كثيراً رجال الإذاعة، فأذاعوها مراراً، وكانوا يرسلون إليَّ في كل مرة مبلغ خمسين ليرة، فأسارع وأشتري بقسم منها كيلو «جلاميق»، أضعها في الليل قرب الباب الخشبي، ثم أعود إلى غرفتي لكتابة القصص...
تحت راية خضرج !
ذكريات عن أربعاء أيوب
ـ 1 ـ
كانت الحاجة جمول، صاحبة العنزوقة، هي التي نصبت الخيمة، على تلك الرمال البيضاء، وهي سيدة المجلس على كل حال، لم يكن صوتها عريضاً، رغم أن دخانها كان الطاتلي سرت عريضة، فضلاً عن نارجيلتها في رحلات كهذه، لكن «جماميلو» كما كان يناديها خالي الآغا في اللحظات الملهمة، كانت تكلم جاراتها من النساء بلهجة إما مستنكرة وإما آمرة:
ـ وئي أني حماتك شو عاملي معها؟
ـ وئي شو عتبة بيتي واطيي ما بتجي لعندي خديجة بنت حماكي. ـ لزوا عا بعض يا ولاد شوي!
وفي تلك الخيمة عند الأصيل، كانت جمول، وجاراتها: خالتي أم السبع راوية الحكايات، «عيشة الجارة» السمراء الهزيلة، ورئيفة، الصبية الحسناء، الممتلئة الجسم، ذات المعطف الأزرق المخملي، والوجه الأبيض النقي، والحاجبين المقوسين الرقيقين، والعينين السوداوين الواسعتين، وبضع نساء لا أعرفهن، لا أنا، ولا رفيقي سعد الدين ابن صاحب المقهى..
إلا أن مكان الصدارة، بالطبع، كان للحاجة جمول «شيخة من نقع الترمس، ونقر الدربكة، وسيدة من شك كبش القرنفل في البرتقال، وباع سيارات المعلل الحمراء».