كتاب " أشياء لا تموت " ، تأليف محمد عيتاني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب أشياء لا تموت
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

أشياء لا تموت
وأود أن أنتهز هذه المناسبة للتأكيد على ضرورة إبعاد المؤلف، المؤمن بالواقعية، عن مزالق الالتباس بين النهج الواقعي في العمل الفني، أي تحري الحقائق الأساسية الكامنة خلف الأحداث والوقائع التي تشكل نسيج الحياة المتطورة، والتصوير المباشر للأحداث والأشخاص العاملة فعلاً في واقع الحياة. وبكلمة موجزة، ينبغي للقصصي أن يتجنب الوقوع في شرك العمل الصحفي الذي هو نقل أمين للواقع الفعلي، بأحداثه وأشخاصه ودوافعهم وأهوائهم، وأن يظل داخل إطار العمل الفني الذي هو إعادة بناء الحياة بواسطة أحداث وأشخاص، ومواقف، لم تقم بالضرورة في واقع الحياة الفعلي، وإنما يحتمل وقوعها وقيامها تماشياً مع منطق الوقائع التي يخلقها ومع الحقائق الأساسية التي يكتشفها خلف الأحداث الواقعية.
وبعد، فإن المآخذ التي أوردناها لا تنتقص من تقديرنا لمجهود محمد عيتاني في مجموعة القصص التي يقدمها الآن إلى الناس، ولا من أملنا في أن تجد لدى قُراء العربية ما تستحقه من حظوة وإقبال.
مذكرات قصصي
... لن أطيل عليكم الحديث. لقد دعوني إلى الإذاعة. ووصلتني يوماً هذه الرسالة: «حضرة الأستاذ، وبعد فالرجاء إعداد الحديث في الموضوع الذي ترتأونه لإذاعته على موجاتنا المتوسطة وطولها، والقصيرة إلخ وذلك بتاريخ...» سررت للبادرة، لكنني كتبت إليهم: «ولكني ويا للأسف أيها السادة، ليست لي دراية كافية بتأليف الأحاديث، بل إنني أعالج فن القصة، والحق يُقال، وعندي بعض القصص».. وحين أجابوني بالإيجاب مع رجوع البريد، وأنبأوني أنهم ينتظرون قصتي للنظر فيها، قصدت أحد مقاهي الروشة وكتبت قصة. والحقيقة أنها كانت من «حواضر البيت» كما يقولون. وأسهل شيء أن يستوحي المرء ذكرياته.
كتبت لهم قصة عنوانها «سر النجاح»، ورويت لهم فيها طرفاً من نضالي أيام الفرنسيين. وخلاصتها أن المرحوم والدي سبق أن أدخلني أثناء الصيف، في عام من أعوام صباي، في خدمة فاكهاني، في سوق «الفرنج» بباب إدريس، وبينت كيف أنني اجتهدت لأحظى برضى معلمي ومساعديه، كان محلاً ضيقاً جداً لا يزيد حجمه عن علبة كبيرة أو سرير مزدوج، وزاد من ضيقه كثرة المستخدمين الفتيان وصناديق الفاكهة والخضار وحتى الأزهار. ترتيب تام وجمال. وكنت أداوم بانتظام كرقاص الساعة بين البيت والمحل. لكن معلمي الكهل لم يكن يبدي رضاه عن عملي. وفي يوم من الأيام زار والدي، وكان الفاكهاني جارنا على كل حال، وأبلغه أنه مضطر للاستغناء عن خدماتي!
ـ ولماذا؟ أظن أن ولدنا مجتهد وأمين.