كتاب " النظام القانوني للمرافق العامة في ليبيا " ، تأليف أ. محمد عبد القادر بوليفة ، والذي صدر عن دار زهران ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب النظام القانوني للمرافق العامة في ليبيا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

النظام القانوني للمرافق العامة في ليبيا
وحكم دائرة القضاء الإداري بمحكمة استئناف بنغازي الصادر بتاريخ 15/5/1991 في الدعوى الإدارية رقم 520 لسنة 18 قضائية ، حيث قضت بعدم اعتبار أحد العاملين بالشركة العامة للمواشي واللحوم موظف عام يقع في مجال اختصاص القضاء الإداري ولا تدخل دعوى تسوية وضعهالوظيفي ضمن اختصاص محكمة القضاء الإداري ولائياً بنظر الطعن ، على اعتبار أن القرار الإداري الصادر في شأنه غير صادر عن جهة إدارية (28).
وهذا عينه ما قررته المحكمة العليا الليبـية في أول أحكامها في الدعوى رقم ( 1 ) لسنة ( 1 ) قضائية عند تحديدها لمفهوم القرار الإداري ، بقولها أن " العمل الإداري في عموم لفظه هو عمل من أعمال السلطة التنفيذية ... والفقه الحديث على اتفاق بوجود معيارين أحدهما موضوعي يعوِّل على كنه وطبيعة العمل في ذاته والمعيار الثاني شكلي ، والمعول عليه فيه السلطة التي أصدرت العمل ، فإذا كان صادراً من البرلمان ( السلطة التشريعية ) فهو تشريعي ، وإن كان العمل صادراً من فرد أو هيئة إدارية ذي سلطة تنفيذية فهو عمل إداري ، وإذا كان الأمر به من إحدى الهيئات التابعة للقضاء فهو عمل قضائي . وجمهور الفقهاء متفق على أن المعيار الشكلي هو المعتبر ، وخاصةً في تعرف الأعمال التي يجوز للقضاء إلغاؤها أو إبطالها ... " (29) .
وهو ما قضت به أيضاً في الطعن المدني رقم ( 88 ) لسنـة 20 قضائية الصادر بتاريخ 22 / 6 / 1975 الذي أكدت فيه " إن المستفاد من نص المادة ( 87 ) من القانون المدني أن المال لا يعتبر من الأموال العامة إلاَّ إذا كان ملكاً للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة ... وإن كان صندوق التوفير لا يعتبر من الأشخاص الاعتبارية العامة فإن العقارات التي يملكها لا تعد من الأموال العامة ويجوز التصرف فيها والحجز عليها وتملكها بالتقادم".
وهذا الحكم يؤكد أن المشرع وكذلك القضاء الليبـي قد اعتمدا المفهوم العضوي للمرفق العام في مجال تحديدهما لمفهوم المال العام ، وذلك باشتراط ضرورة ملكية المال لأحد الأشخاص الاعتبارية العامة حتى يعد مالاً عاماً .
ومن الأحكام الحديثة التي تؤكد تشبث القضاء الإداري الليبـي بالمفهوم العضوي
للمرفق العام ، ما قضت به دائرة القضاء الإداري بمحكمة استئناف بنغازي في حكمها الصادر بتاريخ 25/4/1995 في الدعوى الإدارية رقم 96 لسنة 22 قضائية ، حيث قضت بعدم اعتبار العاملين في مشروع تربية الدواجن والأبقار موظفين عامين وبالتالي عدم اختصاص هذه الدائرةولائياً بنظر الطعون المرفوعة منهم ، مؤكدةً على عدم اعتبار المشروع مرفقاً عاماً وإن آلت ملكيته كاملةً للدولة ، وبرغم ما يهدف إليه هذا المشروع من إشباع الحاجات العامة (30) .
ونخلص مما سبق إلى أن القضاء الإداري الليبـي قد استقر في قضائه على الأخذ بالمعيار الشكلي أو العضوي مرجحاً إياه على المعيار الموضوعي أو المادي في تحديده لمفهوم المرفق العام . وذلك رغم التحول الكبير الذي شهدته الوظيفة الإدارية في الجماهيرية ، ورغم تطور دور الدولة واتساعه الذي أصبح لا يقتصر على تسيير المرافق الإدارية ، وإنما شمل كذلك المرافق الاقتصادية سواء الصناعية أو التجارية بالإضافة إلى المرافق المهنية . وهذا ما دفع جانب من الفقه إلى انتقاد هذا المسلك ، إذ أنه من غير المنطقي أن تختلف وتتمايز القواعد القانونية التي تحكم النشاطات التي تستهدف إشباع حاجات عامة بحسب ما إذا كانت الهيئة التي تدير هذه النشاطات تتمتع بالشخصية الاعتبارية العامة أو بالشخصية الاعتبارية الخاصة (31) . فوفقاً لمنطق القضاء الإداري هذا نجد أن العاملين في اللجان الشعبية العامة أو المؤسسات العامة موظفون عامون يخضعون لأحكام القانون الإداري وتختص دوائر القضاء الإداري بطلباتهم ، في حين أن العاملين لدى الشركات والمنشآت العامة التابعة لهذه اللِّجان والمؤسسات لا يُعدُّون موظفين عامين ، وإنما بمثابة عمال عاديين يخضعون للقواعد المقررة في قانون العمل ويختص القضاء المدني وحده بالنظر في طلباتهم (32) .
والحقيقة أن ما ذهب إليه أصحاب هذا الرأي من نقد لمسلك القضاء الإداري الليبـي في محله ، إذ أنه لا يمكن تَقَبـُّل ما قد يؤدي إليه هذا المسلك من نتائج خطيرة ، من ذلك ما توصلت إليه دائرة القضاء الإداري بمحكمة استئناف بنغازي فـــي حكمها الصادر بتاريخ 27 / 4 / 1982 والذي قررت فيه " أم أن إلغاء المؤسسة العامة للنقل العام للركاب بقرار اللجنة الشعبية العامة الصادر بتاريخ 19 / 3 / 1979 وتحويلها إلى منشأة عامة لنقل الركاب يؤدي بالضرورة إلى تحوّل في صفات العاملين بها ، حيث يتحولون من موظفين عامين يخضعون لاختصاص القضاء الإداري ولأحكام القانون الإداري إلى مجرد مستخدمين عاديين يخضعون لاختصاص القضاء المدني ولأحكام القانون الخاص " .
كما أنه وفقاً لهذا المسلك فإن أي نقل للعاملين بالجهات الاعتبارية العامة للعمل في الشركات والمنشآت العامة أو العكس يؤدي بالضرورة إلى تغيير كامل في الوضع الوظيفي للعاملين المنقولين ، إذ يتحولون بمجرد انتقالهم من موظفين عامين يختص القضاء الإداري بالنظر في طلباتهم إلى مجرد عمال عاديين يخضعون لأحكام قانون العمل ولاختصاص المحاكـــم المدنية (33).
وعلى ذلك فإنه تفادياً لكل هذه العيوب المترتبة على تمسك دوائر القضاء الإداري بالمفهوم العضوي وحده في تحديدها لمفهوم المرفق العام ، وتمشياً مع ما حدث من تطور في الحياة الإدارية وما أدى إليه ذلك من ارتياد الإدارة للعديد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية الأمر الذي تأكد معه أن المرفق العام لم يعد مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالشخص العام . رأى البعض أنه من اللزوم المنطقي التركيز على فكرة النشاط المشبع للحاجات العامة التي تقتضيها المصلحة العامة باعتبارها المحور الأساسي الذي تدور حوله فكرة المرفق العام ومن ثم الأخذ بالمفهوم المادي أو الموضوعي في تحديد مدلول المرفق العـام على النحو الذي سنبينه في المطلب التالي من هذه الدراسة .