كتاب " النظام القانوني للمرافق العامة في ليبيا " ، تأليف أ. محمد عبد القادر بوليفة ، والذي صدر عن دار زهران ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب النظام القانوني للمرافق العامة في ليبيا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

النظام القانوني للمرافق العامة في ليبيا
المطلب الثالث: المفهوم المزدوج للمرفق العام
نتيجةً للتطورات التي طرأت على وظيفة الإدارة واتساعها في كثير من الدول لاتباعها سياسة التدخل الاقتصادي ، وانتشار المذهب الاشتراكي ، وما ترتب على ذلك من انفصام المفهوم العضوي للمرفق العام عن مفهومه المادي ، وأصبح كل منهما قاصراً لوحده على التعبير عن حقيقة المرفق العام في القانون الإداري وبالتالي على تحديد نطاق تطبيقه ، اتجه غالبية الفقه إلى الجمع بين المعيارين ( العضوي والمادي ) في تعريف المرفق العام (66) .
وتجدر الإشارة هنا ، إلى أنه رغم الخلافات الفقهية التي كانت قائمة حول تحديد مفهوم المرفق العام ، واعتناق البعض للمفهوم العضوي ، واتجاه البعض الآخر إلى اعتناق المفهوم المادي أو الموضوعي ، إلاَّ أن جميع الفقهاء يسلمون بأن اصطلاح " مرفق عام " يشمل المنظمة والنشاط العام . وأن تلك الخلافات إنما تدور حول أيهما أهم لتعريف المرفق العام . فالمفهوم المادي والمفهوم العضوي ليسا متباعدين ، كما أن الفقه والقضاء يستخدمان اصطلاح المرفق العام لينصرف إلى أي من المعنيين . غير أن هناك من يرى أن المفهوم المادي يجب أن تكون له الأولوية. بمعنى أنه يجب ويكفي لكي نجد أنفسنا أمام مرفق عام أن يكون هناك نشاطاً يحقق مصلحة عامة اتجهت نية السلطات العامة إلى اعتباره مرفقاً عاماً (67) . بينما ذهب البعض الآخر إلى تغليب المعيار الشكلي أو العضوي بحيث يكون المرفق العام هو الهيئة أو المنظمة التي تضطلع بالنشاط الهادف إلى تحقيقالنفع العـام (68) .
غير أن هذين المفهومين أصبح كل منهما قاصراً وحده على التعبير بدقة عن مفهوم المرفق العام في القانون الإداري بعد التطورات التي طرأت على فكرة المرفق العام ، والتي دفعت بعض الفقه والقضاء إلى الجمع بين المفهومين في تعريف المرفق العام ، وهو ما يعرف بالمفهوم المزدوج للمرفق العام .
وعلى ذلك ، فإذا كان المرفق العام عضوياً بمثابة هيئة أو جهة عامة ، وموضوعياً يعد نشاطاً معيناً ، فإنه من الناحيتين الموضوعية والعضوية يعني نشاطاً تمارسه هيئة عامة بقصد إشباع حاجة عامة (69) .
ويؤكد الفقيه ( Rolland ) ـ في رأي آخر له ـ على وجوب اختيار تعريف للمرفق العام يشمل المعنى المادي للمرفق ، وهو النشاط ، والمعنى العضوي المتمثل في الهيئة التي تقوم به ، ولذا فهو يقول " المرافق العامة هي المشروعات أو المنظمات ذات النفع العام الموضوعة تحت إدارة الحاكمينالعليا والمعدة لقضاء حاجات الجمهور العامة " (70) .
وهذا ما أشار إليه الفقيهان ( جين ريفيرو ، جين فالين Jean Rivero - Jean Waline ) ، وذلك في إطار تحديدهما لمفهوم المرفق العام ، حيث أكدا على ضرورة أن يكون المرفق الذي يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة متصلاً بشخص عام(71) .
وهو ما أكده أيضاً الفقيه ( جاكو موريو Jacques Moreau ) بقوله إن " المرفق العام هو أولاً نشاط يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة " ، إلا أن " هذا المرفق ـ لابد أن يكون تابعاً ( أو بديلاً ) لشخص عام "(72) .
ويحدد الدكتور محمد فؤاد مهنا مفهوم المرفق العام بقوله " إن جميع الفقهاء يسلمون بأن اصطلاح مرفق عام يشمل المنظمة والنشاط معاً ، بمعنى أن كلاً من المنظمة والنشاط يمكن أن يعتبر مرفقاً عاماً إذا توافرت فيه العناصر المميزة للمرافق العامة ، ولهذا رأينا أن نستخدم في تعريف المرافق العامة اصطلاحاً يحمل معنى المنظمة والنشاط معاً بقولنا أنها مشروعات " (73) . ولذا فهو يعرف المرافق العامة بأنها " مشروعات تنشؤها الدولة بقصد تحقيق غرض من أغراض النفع العام ويكون الرأي الأعلى في إدارتها للسلطة العامة" (74) .
ولقد وجد هذا التعريف تأييداً كبيراً لدى غالبية الفقه في مصر (75) .
ويؤكد الدكتور ثروت بدوي على أن تعريف المرفق العام من خلال اتحاد العنصرين العضوي والموضوعي ، يمثل التصوير المنطقي لمفهوم المرفق العام ، وذلك لوجود ارتباط وثيق بينهما على الأقل من الناحية الواقعية المستساغة منطقياً ، لأن كل نشاط لابد أن يصدر عن جهة أو هيئة معينة ، كما أن كل منظمة لابد أن تمارس نشاطاً معيناً (76) .
ومن هنا كان بحكم اللزوم المنطقي الجمع في تعريف المرفق العام بين المعنى المادي والعضوي ، بغض النظر عن سيادة أحد المعنيين في التعريف على الآخر ، أي سواء كان العنصر البارز في التعريف هو عنصر النشاط العام أم كان عنصر الهيئة أو المنظمة التي تمارس هذا النشاط .
وفي لبنان يرى البعض من الفقه (77) ، أن مصطلح المرفق العام يعني نشاط ، وبالوقت ذاته هيئة ، غير أنه حينما نريد أن نعرف المرفق العام يجب أن ننظر إلى موضوع النشاط الذي يباشره المشروع ( Entreprise ) لا إلى الهيئة التي تتولاه ، لأن مجلس الدولة الفرنسي أضفى بصفة المرفق العام في بعض الحالات على المشروعات التي يقوم بتأديتها النشاط الفردي حتى ولو لم تتولى هيئات إدارية أمر القيام بتلك المشروعات .
ونستخلص من ذلك أن هذا الرأي يذهب إلى الأخذ بالمفهوم المادي للمرفق العام. غير أنه عند تعريفه للمرفق العام ، ينتهي إلى القول بأنه " عبارة عن مشروعات تنشئها الدولة وتديرها أو تعمل تحت إشرافها ورقابتها باستمرار تحقيقاً لأداء خدمة عامة للجمهور " . وفي هذا ما يدل صراحة على أخذه بالمفهوم المزودج للمرفق العام ، على خلاف ما سبق أن أشار إليه من ضرورة النظر إلى موضوع النشاط الذي يباشره المشروع لا إلى الهيئة التي تتولاه ، ويبرر ذلك بقوله " وقد اخترنا قبلاً تعريف المرفق العام بما يدل على النشاط ، أي المعنى المادي ، ولم نهمل الركن الشكلي أيضاً ، لأن مجلس الشورى الفرنسي بدأ بقراراته الأخيرة يجمع بين الركنين " (78) .
وقد أوضح الدكتور محمد عبدالله الحراري في معرض تحديده لمفهوم المرفق العام مدى قصور كل من المفهوم العضوي ، والمفهوم المادي كل لوحده على التعبير عن حقيقة المرفق العام في القانون الإداري ، وبالتالي على تحديد نطاق تطبيقه ، وذلك بعد تطور وظيفة الإدارة واتساعها ، وانتشار المبادئ الاشتراكية في كثير من الدول . إذ لا يمكن الاعتماد على المفهوم العضوي وحده والقول بأن المرفق العام هو كل جهة إدارية عامة ، فهناك جهات إدارية لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية العامة كالشركات العامة ، ولكنها رغم ذلك تخضع للقواعد القانونية للمرافق العامة ، كما لا يكفي من جهة أخرى أن نقرر أن النشاط المستهدف للمصلحة العامة هو الأساس الوحيد في تعريف المرفق العام ، ذلك لأن استهداف المصلحة العامة لم يعد حكراً على الإدارة ، بل اصبحت تشاركها فيه المشروعات الفردية الخاصة كالمؤسسات الخاصة ذات النفع العام (79) .