كتاب " النظام القانوني للمرافق العامة في ليبيا " ، تأليف أ. محمد عبد القادر بوليفة ، والذي صدر عن دار زهران ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب النظام القانوني للمرافق العامة في ليبيا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

النظام القانوني للمرافق العامة في ليبيا
وهذا ما أكده الدكتور صبيح مسكوني في إطار تحليله لمفهوم المرفق العام . فهو يرى أن التوافق والتلاقي بين الجانبين العضوي والمادي في المرفق العام ، وإن كان قائماً في الدولة الحارسة أي في الدولة الليبرالية التي يكون النشاط الذي تتولاه في إشباع الحاجات العامة محصور في مجالات معينة كالدفاع والأمن والقضاء خاصة ، وتتولاه الهيئات الإدارية التابعة للدولة ، فإن مثل هذا الترابط بين الإدارة العامة ( المرفق العام بمعناه العضوي ) والنشاط الذي يبتغي المصلحة العامة ( المرفق العام بمعناه المادي ) اصبح منفصماً ، لإتباع الأولى بصورة عامة اليوم سياسة التدخل الاقتصادي والمذهب الاشتراكي عامةً ، الأمر الذي أدى إلى انفصال هذين العنصـرين عن بعضهما (80).
فمن جهة قد يعهد إلى أشخاص عاديين أو منظمات خاصة إدارة المرافق العامة كما هو الحال بالنسبة لعقود امتياز المرافق العامة .
ومن جهة أخرى ونتيجةً لتعاظم تدخل الدولة في الميدان الاقتصادي قد لا توجد مرافق عامة رغم قيام هيئات إدارية عامة بممارسة نشاطات معينة نظراً لعدم استهداف هذه النشاطات المصلحة العامة . من ذلك قيام الإدارة باستغلال أموالها ( دومينها ) الخاص بإقامة المباني وبيعها وتأجيرها فإن ذلك لا يرقى إلى مرتبة المرفق العام لعدم استهدافه المصلحة العامة وإنما مصلحة الإدارة الخاصة (81) . وهذا يؤكد قصور المفهوم العضوي في تعريف المرفق العام .
كما أنه لا يكفي أن نقرر أن النشاط المستهدف للمصلحة العامة هو الأساس في تعريف المرفق العام ، إذ يجب أيضاً أن تحدد خصائص المصلحة العامة التي تميز المرفق الإداري عن غيره من الفعاليات ، سواء تلك التي تقوم بها الدولة تحقيقاً للمصلحة العامة أو تلك التي ينهض بها الأفراد مبتغين منها المصلحة العامة أيضاً والتي تتخذ لها صورة مشروعات خاصة ذات نفع عام . إذ أن استهداف المصلحة العامة ليس حكراً على الدولة وحدها (82) ، مما يؤكد قصور المفهوم المادي أيضاً على التعبير عن حقيقة المرفق العام .
ونتيجةً لهذا الانفصال بين الجانب العضوي والجانب المادي يرى الدكتور (مسكوني) أن اصطلاح المرفق العام أصبح له مدلول واسع ، ومن ثم فهو يعرف المرفق العام بأنه " كل نشاط يستهدف تحقيق النفع العام قامت به الإدارة العامة بنفسها أو عهدت بممارسته إلى شخص من أشخاص القانون الخاص تحت إشرافها ورقابتها " (83) . وهو بذلك يرجح الأخذ بالمفهوم المزدوج للمرفق العام دون المفهوم العضوي أو المادي .
وإذا كان مجلس الدولة الفرنسي قد ذهب في أول أحكامه إلى الأخذ بالمعيار العضوي في تحديد مفهوم المرفق العام ، ثم آثر بعدها تغليب الجانب المادي على الجانب العضوي نتيجةً لتطور النشاط الذي يهدف إلى تحقيق النفع العام ، إلاَّ أنه بدأ أخيراً يضم العنصرين معاً ،ويأخذ في قراراته بالمفهوم المزدوج للمرفق العام (84) . فهو حين يصف المرفق العام اليوم يقول عنه بأنه الجهاز الإداري ، والهيئة المكلفة بإدارة المرفق العام ، مما يدل على أن الاجتهاد الحديث بدأ يعبر عن المرفق العام بأنه نشاط تقرر الإدارة تحقيقه أو العمل على تحقيقه (85) .
وهذا ما ذهب إليه مجلس الدولة المصري في فتوى لقسم الرأي بتاريخ 16 مايو سنة 1955 ، حيث أكد على أنه ، وإن كانت فكرة المرفق العام غير محددة تحديداً واضحاً وليس لها تعريف جامع مانع ، إلا أن العنصر الأساسي فيها هو ضرورة وجود خدمة عامة يهدف المشروع إلى أدائها ،وتقوم بها الحكومة مباشرةً أو يقوم بها ملتزم تحت إشراف السلطة الإدارية في نطاق القانون العام (86) .
أما في الجماهيرية الليبية ، فلا يزال القضاء الإداري الليبـي يأخذ بالمفهوم العضوي للمرفق العام ، متبنياً لهذا المفهوم عند تعريفه للموظف العام والقرار الإداري والعقد الإداري رغم الانتقادات الفقهية لهذا المسلك ، ورغم ما ترتب على ذلك من إيجاد قضـاء قاصـر عن مواكبـة التحـول الهائـل الـذي شهدتـه الوظيفـة الإداريـة منـذ بدايــة السبعينيـات (87) .
والواقع ... إنه يلزم حقاً الجمع بين المفهومين العضوي والموضوعي معاً لتحديد مفهوم المرفق العام بصورة واضحة ، بصرف النظر عن تغليب أحد المعيارين في التعريف عن الآخر .
فلابد لوجود المرفق العام أن يكون هناك نشاط يهدف إلى إشباع حاجة عامة ، وأن تتولى هذا النشاط الإدارة بنفسها ، أو يتولاه فرد عادي أو هيئة خاصة تحت توجيه الإدارة ورقابتها وإشرافها ، بحيث يكون الرأي الأعلى والكلمة النهائية في إنشاء وإدارة المشروع لها .
وتأسيساً على ذلك ، يمكن تعريف المرفق العام بأنه مشروع تنشؤه الدولة بقصد تحقيق غرض من أغراض النفع العام ، ويكون الرأي الأعلى في إدارته للسلطة العامة (88) . أو بأنه مشروع تتولاه الإدارة ، أو يتولاه فرد عادي تحت توجيه الإدارة وإشرافها بقصد تحقيق النفع العام .
غير أنه يتعين ملاحظة ، أن المرفق العام وإن كان مشروع ، فليس معنى هذا أن كل مشروع يعتبر مرفقاً عاماً ، وإنما يعد منها كذلك فقط المشروعات التي تتوافر فيها شروط أو عناصر معينة تميز هذه المرافق عن المشروعات الخاصة ، وهي ما تعرف بالعناصر المميزة للمرفق العام ، والتي سنتناولها تفصيلاً في المبحث القادم .