كتاب " النظام القانوني للمرافق العامة في ليبيا " ، تأليف أ. محمد عبد القادر بوليفة ، والذي صدر عن دار زهران ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب النظام القانوني للمرافق العامة في ليبيا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

النظام القانوني للمرافق العامة في ليبيا
المطلب الثاني: المفهوم المادي للمرفق العام
إذا كان المفهوم العضوي أو الشكلي للمرفق العام يركز على صفة وشكل الجهة التي تباشر النشاط ، وينصرف إلى كل هيئة تابعة للإدارة أو الجهاز الإداري للدولة بصرف النظر عن النشاط الذي تمارسه ، فإن المفهوم المادي على نقيض ذلك يركز على طبيعة وجوهر النشاط ذاته بصرف النظر عن صفة وشكل الجهة التي تتولى إدارته وتسييره. فإذا كان هذا النشاط يستهدف تحقيق مصلحة عامة للمجتمع فإنه يعد من قبيل المرافق العامة حتى وإن تم تسييره من قبل شخص اعتباري خاص ، أما إذا كان ذلك النشاط يستهدف إشباع مصلحة خاصة أو تحقيق الربح المادي، فإنه لا يعد من المرافق العامة حتى ولو عهد بإدارته إلى جهة تتمتع بالشخصية الاعتبارية العامة (34) .
فالمعنى الموضوعي للمرفق العام يعني كل نشاط يسعى إلى إشباع حاجة عامة أو يحقق مصلحة عامة بغض النظر عن الجهة أو الجهاز الذي يقوم به .
وقد تعددت تعريفات المرفق العام ـ التي ترجح المفهوم المادي للمرفق ـ بتعدد وجهات النظر التي يأخذ بها الفقهاء ، وبحسب اختلافهم في التركيز على عناصر معينة دون أخرى .
فقد عرف العميد ديجي ( Duguit ) عميد مدرسة المرافق العامة المرفق العام على أنه " كل نشاط يجب أن يكفله وينظمه ويتولاه الحكام ، على اعتبار أن الاضطلاع بأمر هذا النشاط لا غنى عنه لتحقيق التضامن الاجتماعي ولتطوره ، وأنه لا يمكن تحقيقه على أكمل وجه إلاَّ عن طريق تدخلالسلطة الحاكمة " (35) .
ويقول ديجي : إن الذي يميز المرافق العامة هو النشاط الذي تقوم به في تأدية الخدمات العامة التي يعجز الأفراد عادةً عن القيام بها بوجه تام ، فيعهد إليها القيام بها بتكليف من السلطة نظراً لأهمية العمل ونفعه العام ... (36) .
وتقوم رؤية الفقيه ديجي على أساس أن الدولة إيماناً منها بالقيام بوظائفها وتحقيق الحاجات التي يقتضيها الصالح العام فهي حين تجد أن حاجة عامة يجب إشباعها ، ولا يستطيع الأفراد تحقيقها ، إما لعدم مقدرتهم المالية أو لندرة ما تدره من أرباح لا تغريهم على القيام بها ، فإنها تنشئ بذاتها نشاطاً يقوم على إشباعها ، وهذا النشاط يسمى بالمرفق العام (37) .
ويعرف الفقيه دي لوبادير De Laubadére المرفق العام بأنه نشاط تباشره سلطة عامة بقصد الوفاء بحاجة ذات نفع عام Besoin d’interet general ، وهو يرى أن أغلبية القضاء الإداري الفرنسي والفقه الفرنسي تنظر إلى المرفق باعتباره نشاطاً لا عضواً ، أي تغلب فكرة المرفقالمادي على المرفق العضوي (38) .
وهذا ما ذهب إليه الفقيه ( فرنسيس بول بنوا Francis Paul Bénoit ) حيث عرف المرفق العام بأنه " نشاط إداري هدفه ضمان خدمة الأفراد " (39) .
أما فيدل ( Vedel ) فيعرف المرفق العام بقوله " إن المرفق العام نشاط إداري يقوم على تقديم خدمة ذات نفع عام " (40) .
ويقول كل من الفقيهين ( Jean - Marie Auby و Jean - Bernard Auby ) ـ تأكيداً للمفهوم المادي للمرفق العام ـ في مؤلفهما ( المؤسسات الإدارية ) أن المرفق العام هو نشاط تتحمل مسؤوليته الإدارة ( أو في بعض الحالات بواسطة أشخاص خاصة تتصرف تحت سيطرتها ) منأجل متابعة أغراض محددة ذات نفع عام (41) .
أما الفقيه ( جاكولين موراند Jacquline Morand ) فقد أكد في مؤلفه (دروس في القانون الإداري ) رفضه لهذا المفهوم المادي ، مؤكداً على أنه وإن كان القصد الذاتي للسلطات العامة للقيام بنشاط بالمرفق العام يعد عنصراً أساسياً للمرفق العام إلا أنه لا يمكن اعتبار مفهوم المرفق العاممفهوماً موضوعياً ، مؤكداً على ما ذهب إليه الفقيه ( جيز Jéze) من أن "مفهوم المرفق العام ليس موضوعياً ـ بأي حال ـ فلا يوجد مرفق عام بالفطرة"(42).
وقد عبَّر الدكتور ( سليمان الطماوي ) عن مفهومه للمرفق العام بقوله "..يستعمل اصطلاح مرفق عام للدلالة على نشاط ( Activité ) من نوع معين تقوم به الإدارة لصالح الأفراد ، وهذا هو المعنى الذي نقصده والذي يجب أن يخصص له هذا الاصطلاح منعاً للبس ... " (43) . ويؤكد ( الدكتور الطماوي ) على أن استعمال اصطلاح المرفق العام للدلالة على المنظمة Organisme أو الهيئة التي تقوم بالنشاط يؤدي إلى اللبس وعدم تفهم أحكام مجلس الدولة الفرنسي الحديثة . وعلى ذلك فهو يعرف المرفق العام بأنه " مشروع Entreprise يعمل باطراد وانتظام ، تحت إشرافرجال الحكومة، بقصد أداء خدمة عامة للجمهور ، مع خضوعه لنظام قانوني معين (44) .
وإذا كان الدكتور سليمان الطماوي قد استخدم كلمة مشروع في تعريف المرفق العام ، إلاَّ أنه أشار إلى أن هذا الاصطلاح إنما يدل على النشاط دون المنظمة، وذلك بعكس ما يراه البعض من أن اصطلاح مشروع يحمل في الحقيقة معنى المنظمة والنشاط معاً (45).
ومن الفقهاء الذين أخذوا بالمدلول المادي للمرفق العام الدكتور توفيق شحاته ، فقد عرّف المرفق العام بأنه " كل مشروع يستهدف الوفاء بحاجات ذات نفع عام ، وتعجز المشروعات الفردية عن تحقيقه على وجه مرضٍ ، فتتولاه الإدارة العامة ، وتديره بنفسها مباشرةً ، أو تعْهد به إلى أفراد يديرونه تحت رقابتها (46) .
وهذا ما ذهب إليه الدكتور محمود حافظ ، حيث عرف المرفق العام بأنه مشروع ذو نفع عام يهيمن عليه الحكام ، أي تتولى السلطة العامة إدارته مباشرةً أو بطريق غير مباشر (47) .
ويؤكد جانب من الفقه على أنه بالرغم من أن المفهوم المادي والمفهوم العضوي للمرفق العام ليسا متباعدين ، وأن الفقه والقضاء يستخدمان اصطلاح المرفق العام لينصرف إلى أي من المعنيين ، إلاَّ أن المفهوم المادي يجب أن تكون له الأولوية . بمعنى أنه يجب ويكفي لكي نجد أنفسنا أمام مرفق عام أن يكون هناك نشاط يحقق مصلحة عامة اتجهت نية السلطات العامة إلى اعتباره مرفقاً عاماً (48) .