هذا كتابٌ طموح، ليس على سبيل الأدعاء. إنّه طموح لأنّه يحاول- ضمن حيز الصفحات القليلة نسبيًّا- أن يوضح التاريخ المتنوع لعلم الأنثروبولوجيا.
أنت هنا
قراءة كتاب تاريخ النظرية الأنثروبولوجية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
- 1 -
البدايات
متى وُجد علماء الأنثروبولوجيا؟ تنقسم الآراء في هذه القضية، ويعتمد الجواب- بدرجة كبيرة- على ما يعنيه الواحد بعالِم الأنثروبولوجيا. كان- ولا يزال- لدى الناس تطفل حول جيرانهم والناس الأكثر بعدًا عنهم، دخلوا في قيل وقال عنهم، وتعاركوا معهم، وتزوجوا منهم، وقالوا عنهم ما قالوا، ثم كتبت بعض هذه القصص والأساطير، وانتقد بعضها على اعتبار أنّها روايات غير دقيقة أو ذات مركزية عرقية (أو على الأصح: عنصرية). وقد قورنت بعض هذه القصص بأخرى حول أناس آخرين؛ مما أدى إلى افتراضات أكثر عمومية حول ‘الناس أينما كانوا’. وبهذا المعنى، يبدأ البحث الأنثروبولوجي في اللحظة التي يقوم فيها أجنبـي بالانتقال إلى شقة في الجوار.
إذا قيّدنا أنفسنا بالأنثروبولوجيا كفرعٍ من فروع المعرفة العلمية، يمكن للبعض أنْ يتعقبه بالعودة إلى عصر التنوير الأوربـي خلال القرن الثامن عشر. ادعى البعض أنّ الأنثروبولوجيا لم تبرز كعلم حتى خمسينيات القرن التاسع عشر، مع ذلك جادل آخرون أنّ البحث الأنثروبولوجي بمعناه المعروف في الوقت الحاضر استهِلَ فقط بعد الحرب العالمية الأولى، ونحن لا نستطيع تفادي مثل هذه الأمور الغامضة.
مما لا شك فيه- على أية حال- أنّ الأنثروبولوجيا اعتبرت عِلمًا للإنسانية، تجد أصولها في المنطقة التي ندعوها على نحوٍ شائع وإنْ كان بلا دقة: ‘الغرب’، وعلى نحوٍ ملحوظ في ثلاثة أو أربعة بلدان ‘أوربية’: فرنسا، وبريطانيا العظمى، والولايات المتحدة، وحتى الحرب العالمية الثانية ألمانيا. وللحديث تاريخيًّا، فإنّ هذا فرع من فروع المعرفة الأوربية، وإنّ ممارسيه- مثل كل أولئك الذين يعملون في مجال العلوم الأوربية- يحبون أنْ يتعقبوا جذوره بين فترة وأخرى بالعودة إلى اليونانيين القدامى.
هيرودتس ويونانيون آخرون
بفضل البحوث التي قام بها أنثروبولوجيون ومؤرخون وآثاريون، فإننا نعتقد اليوم أنّ ‘اليونانيين القدامى’ اختلفوا عنّا بصورة جذرية. كان نصف السكان عبيدًا في دول المدينة ‘الديموقراطية’ الكلاسيكية، حيث اعتبر المواطنون الأحرار العمل اليدوي باعثًا على التحقير، وأنّ من المحتمل أنْ تكون الديموقراطية (والتي ‘اخترعت’ كذلك من قبل اليونانيين) أكثر شبهًا بالولائم التنافسية لدى الكواكوتل (الفصل الرابع)، بالمقارنة مع المؤسسات الموصّفة في المؤسسات الدستورية الحديثة (انظر فينلي 1973؛ بـي. أندرسون 1974).
إنّ في العودة إلى اليونانيين رحلة طويلة، ولكي ننفذ إلى عالمهم من خلال الزجاج المكسر والمدخن، فإننا سنلقي نظرة على دول المدينة الصغيرة المحاطة بالأرض الزراعية التقليدية لعصر الحديد، والمرتبطة بالعالم الخارجي من خلال شبكة علاقات التجارة البحرية بين السكان الحضر على طول سواحل المتوسط والبحر الأسود. جاءت التجارة بسلع الرفاهية والعبيد- وهي ثروة معتبرة- إلى المدن ومواطني مراكزها، ممن يُعرفون بازدرائهم للعمل البدني، وكان في متناول أياديهم فائض كبير، استخدموه- فيما بين أشياء أخرى- لبناء المعابد، والملاعب، والحمامات وبنايات عامة أخرى، حيث كان من الممكن للمواطنين الذكور أنْ يلتقوا ويدخلوا في خلافات وتأملات فلسفية حول كيفية وضع العالم مع بعضه البعض.