أنت هنا

قراءة كتاب تاريخ النظرية الأنثروبولوجية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تاريخ النظرية الأنثروبولوجية

تاريخ النظرية الأنثروبولوجية

هذا كتابٌ طموح، ليس على سبيل الأدعاء. إنّه طموح لأنّه يحاول- ضمن حيز الصفحات القليلة نسبيًّا- أن يوضح التاريخ المتنوع لعلم الأنثروبولوجيا.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 4

بعد العصور القديمة

ربما كانت الظروف مفضلَة على نحوٍ خاص لتطور العلم المنظم في دولة المدينة اليونانية الكلاسيكية، وكذلك الحال في القرون التالية؛ حيث تمّ تشجيع النشاطات ‘المدنية’ مثل: الفن والعلم والفلسفة حول المتوسط. أولاً: قاد الإسكندر العظيم في الفترة الهيللينية، بعد المقدونية، (356- 323 ق. م) جيوشه إلى التخوم الشمالية للهند، ناشرًا بذلك الثقافة اليونانية الحضرية أينما ذهب. من ثمّ فيما بعد، وخلال بضعة قرون، عندما هيمنت روما على معظم أوربا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ طبعت سكانها بثقافة مشتقة من المُثُل اليونانية. وفي هذا المجتمع المعقد متعدد القوميات، فإنّه ليس مما يدعو إلى العجب أن نجد أنّ مصلحة اليونانيين في ‘الآخر’ تمّ القيام بها كذلك. وعليه، كتب الجغرافي سترابو (64- 63 ق. م- 21 ب. م) مجلدات ضخمة حول الشعوب الغريبة والأماكن البعيدة، ممن سطع بريقها بتطفل ومرح الاكتشاف. ولكن عندما تمّ تأسيس المسيحية كدين دولة، وبدأت الإمبراطورية الرومانية بالتفكك منتصف القرن الرابع الميلادي؛ أخذ تغيرٌ جوهري مكانه في الحياة الثقافية الأوربية. ذهب في ذلك المواطنون الميسورون في العصور القديمة، ممن انغمسوا في العلم والفلسفة (والفضل لمداخيلهم من التجارة وعمل العبيد). وذهبت، حقيقةً، ثقافة المدينة الكاملة الغرّاء، التي حملت الإمبراطورية الرومانية معًا كدولة موحدة (وإنْ كانت مفككة). وبمكانها، كان هناك عدد لا حصر له من الثقافات الأوربية التي عبرت عن نفسها، من حملة التقاليد الألمانية، والسلافية، والفنلندية والكيلتية، التي كانت بقدم تلك التي هي لليونان ما قبل الحضرية. سياسيًّا، تفككت أوربا في مئات المشيخات والمدن والجيوب المحلية المستقلة ذاتيًّا، والتي كانت تتوحد فقط في وحدات أكبر مع تنامي الدولة الحديثة، ابتداء من القرن السادس عشر فصاعدًا. وخلال هذه الفترة الطويلة، كانت الكنيسة هي التي تربط القارة معًا بدرجة كبيرة، والتي كانت (أي الكنيسة) آخر الأوصياء على الكونية الرومانية. في ظلّ راية الكنيسة، برزت وازدهرت الشبكات الدولية بين الرهبان ورجال الدين، رابطةً جيوب التعلم التي أديمت فيها التقاليد الفلسفية والعلمية للعصور القديمة.
يحب الأوربيون أنْ يروا أنفسهم كما لو أنّهم الأعقاب الخطيين للعصور القديمة، لكن أوربا خلال القرون الوسطى كانت طرفية هامشية؛ فخلال القرن السابع والثامن احتل العرب مناطق تمتد من إسبانيا إلى الهند، وعلى الأقل للسبعة قرون التالية تقريبًا، وجدت المراكز السياسية والثقافية لعالم البحر المتوسط في المراكز الحضرية المترفة، مثل: بغداد وقرطبة، وليس في بقايا روما أو أثينا، ودون الإشارة إلى القرى المزدهرة مثل: لندن وباريس. كان ابن خلدون المؤرخ والفيلسوف الاجتماعي العظيم لتلك الفترة (1332- 1406)، حيث عاش فيما يعرف اليوم بتونس، وكتب- من بين قضايا أخرى- تاريخًا ضخمًا عن العرب والبربر، مدعومًا بمقدمة طويلة نقدية عن استخدامه للمصادر. لقد طور واحدةً من أولى النظريات الاجتماعية غير الدينية، وسبق أفكار إميل دوركهايم حول التضامن الاجتماعي (انظر الفصل الثاني)، مما يعتبر اليوم حجر الزاوية بالنسبة لعلم الاجتماع وعلم الأنثروبولوجيا. وقد شدد ابن خلدون على أهمية القرابة والدين في خلق وإدامة معنى التضامن والالتزام المتبادل فيما بين أعضاء الجماعة، وانسجم هذا فيما بعد مع ما جاء به دوركهايم وعلماء الأنثروبولوجيا الأوائل ممن استخدموا نظرياته.
فيما عدا ذلك، كان هناك القليل من الكتابات الأوربية أواخر فترة القرون الوسطى، والتي قد تعتبر مؤشرات ذات دلالة بالنسبة لأنثروبولوجيا اليوم اللاحق. كان عمل ماركو بولو (1254- 1323) عن بعثته إلى الصين أكثرها شهرة، الذي ادعى فيه أنّه قضى فيها سبعة عشر عامًا. وُصِفَ مثلٌ آخر في أدب الرحلات العظيمة عبر غرب آسيا فيما جاء بعنوان: الرحلة البحرية وأسفار السير جون مانديفيل النبيل، والذي كُتِبَ من قبل كاتب إنكليزي غير معروف في القرن الرابع عشر. وقد حفز هذان الكتابان الاهتمام الأوربـي في الشعوب والعادات الغريبة. من ثمّ، مع فجر الاقتصاد الميركنتالي وعصر النهضة المعاصرة في العلوم والفنون؛ بدأت دول المدينة الأوربية الغنية الصغيرة أواخر القرون الوسطى لتنمو على نحوٍ متسارع، حيث ظهرت أولى العلامات على ظهور الطبقة الرأسمالية. ومن خلال إشعالها النار بهذه الحركات الاجتماعية العظيمة، وبتمويل من قبل المتعهدين الجدد؛ تمّ الشروع بسلسلة من الرحلات البحرية الاستقصائية العظيمة من قبل الحكام الأوربيين. وغالبًا ما وصفت هذه الرحلات- إلى أفريقيا وآسيا وأميركا- في الغرب كما لو أنّها ‘اكتشافات عظيمة’، رغم أنّ الشعوب ‘المكتَشَفَة’ نفسها ربّما كان لديها سبب للتساؤل حول مبررات عظمتها (انظر على سبيل المثال، وولف 1982).

الصفحات