أنت هنا

قراءة كتاب خطاب راكان في الزمان وأهله

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
خطاب راكان في الزمان وأهله

خطاب راكان في الزمان وأهله

كتاب " خطاب راكان في الزمان وأهله " ، تأليف باسل عبد الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

لكن تعبيري لإله الجزيرة اختلف هذه المرة بعض الشيء عن تعبيراتي السابقة، فصوتي كان أقوى وأجرأ. وقد ساعدني السكون الذي لفّ ذلك المكان في الغابة، على أن أتمادى أكثر في إنشادي.

قلت في نفسي وأنا أنشِد: "ربما لفتّ انتباه إلهي إليّ، فأعجَبَهُ إنشادي وفرح بي، ثم تكرّم عليّ بالظهور أمامي من فسحةٍ ما في السماء لأطرح بعض الأسئلة عليه مما تعذر على الكاهن أو الملائكة أو أمي إجابتي عنها!".

ازدادت، مع ارتفاع صوتي، ثقتي بنفسي أكثر فأكثر، ما جعلني على يقين أكبر أنّ صوتي سيصل بسهولة إلى الله، وسيتسجيبُ لندائي بدون تردد. فلطالما أخبرنا الكهنة، وحتى أمي، بأن الله يحبُّ الصغار ويستجيبُ لطلباتهم.

تابعتُ الإنشاد، حتى وصلتُ إلى مرحلة لم يعد يُحيّرني فيها سوى معرفة المكان الذي سوف يُطل إلهي عليّ منه، لأني تأكدتُ أنّ اللقاء المنتظر قد اقترب موعده. فركزتُ انتباهي كي لا أفوت هذه الفرصة السانحة النادرة.

أردتُ من إلهي ببساطة أن يظهر عليّ مباشرة، بدون وسيط، مبرراً لنفسي طلبي الوقح الجديد هذا بتداعيات محاولاتي الفاشلة مع الوسطاء وآخرهم ملائكة حلمي الشهير.

***

... مرّت اللحظات ثم الدقائق ومعها اشتدت حدّة إنشادي حتى بُحَّ صوتي من الصراخ. وكي أتوِّج انفعالي الروحي الذي وصلت إليه، أغمضتُ عيني وبذلتُ أقصى طاقتي (وهذه قمة الإيمان!).

وفجأة استُجِيبَ طلبي، فقد سمعتُ صرخة مدويّة تنادي: "راكـــان!... راكـان، التفت إلي!".

شعرت بالرعب، فتوقفتُ مباشرة عن الإنشاد، دون الاجتراء على فتح عيني!

ثم سمعت مجدداً الصوت نفسه ينادي: "راكـان!... هل تسمعني؟"

قلتُ في نفسي: "رائع صوت الله، إنه ليس بغريب عن سمعي!... صدقت أمي عندما أخبرتني أنّه قريبٌ أكثر مما نتوقعه إلى قلوبنا!".

كان عليّ أن أفتح عيني، فحلمي برؤية إلهي أوشك أن يتحقق! وهكذا فعلتُ. لكنّ المشهد كان مُفاجئاً إلى حد أنه كان آخر مشهد توقعته!

***

وجدتُ والدي أمامي أسفل تلك الصخرة، عابساً عبسته التقليدية، محاولاً إظهار استيائه من اختفائي المفاجئ. والأرجح أنني لم أميز صوته لشدة انفعالي في أثناء إنشادي!

صرخ والدي بنبرة غاضبة: "إنزل إلى هنا أيها المُشاغب! لقد بحثتُ عنك طويلاً!!... عليّ في المرّة المُقبلة أن أكلِّف حارساً بك!".

اكتفى والدي بهذه العبارة وصمت، بل إنه ظلّ صامتاً لا يكلمني طوال رحلة العودة إلى القصر.

أما من ناحيتي، فقد بقي ضميري يُؤنبني طوال طريق العودة، فقد نكثتُ وعدي مجدداً وفشلت مرّة جديدة في الحصول على إجابة!

***

مع استكمالي سن الخامسة عشرة، بدأ يُسمح لي بدخول معبد القصر، مثلي مثل باقي أبناء سني. وبدأت التعاليم الدينية تتحول من الشكل النظري إلى الشكل التطبيقي، أي من إعطاء المعلومات إلى التدريب على الممارسات. فتعرفتُ على طريقة الصلاة ومواعيدها، وعلى طقوس العبادة الواجب التقيد بها.

في أول أسبوع كان الأمر جميلاً جداً... بل رائعاً. غير أنه ما لبث في الأسبوع الثاني أن أصبح أقل إثارة. وفي الأسبوع الثالث أقرب إلى الملل.

ورغم أن تكرار الطقوس كان أمراً ضرورياً، لكنه أضحى مع مرور الوقت، بالنسبة إلي، ضرورة مضجرة!

رغم ذلك، لم أتلكأ، بل استمررت في الزيارة الدورية إلى المعبد، كما التزمتُ طوعاً أيضاً الصلوات والطقوس المتوجبة عليّ. وذلك جِدُّ طبيعي، فكل من حولي يُمارسها، فلماذا أنا لا! ولكني تنبهتُ مع الوقت، إلى أنني أصبحتُ ألقي صلواتي بطريقةٍ سريعة، خالية من الأحاسيس... وببغائية في معظم الأحيان!

واكتشفتُ أيضاً، بأنّ إيماني قد تراجع. فقد كان في ذروته في سن الرابعة عشرة، عندما ناجيتُ الله من أعلى تلك الصخرة وطلبت منه أن يظهر عليّ. لكنني الآن لا آبه لظهوره، لأنني اقتنعتُ بأنه لا يريد ذلك. كما أنني الآن لا أكلّف نفسي عناء مناجاته لأنني اقتنعت أيضاً بأنه لن يُجيبني مهما انفعلت!

ربما فقدتُ الأمل أو يئست من تكرار الممارسات نفسها كل يوم، أو ربما أصبحتُ أكثر واقعية! فإله الجزيرة مختبئ في مكان ما خلف السماء، ولا يظهر على الملأ لأحد، فلماذا أناجيه أنا إذن؟!

***

الصفحات