كتاب " ربيع العرب - صراع محموم بين الدولتين المدنية والدينية " ، تأليف يوسف مرتضى ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب ربيع العرب - صراع محموم بين الدولتين المدنية والدينية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ربيع العرب - صراع محموم بين الدولتين المدنية والدينية
تقديم
مهمة التقديم لأي كتاب هي مهمة صعبة إذا كان الغرض منها الغوص في متن الكتاب وفي أفكار ومواقف واجتهادات صاحبه.. وهي أيضا.ً مهمة صعبة إذا هي اقتصرت على التعريف بالكتاب في شكل عام والتعريف بمؤلفه.. هي إذن مهمة صعبة في كل الشروط.. لذلك اخترت لكتبي مدخلا.ً كتبته بقلمي وبلغتي لأعر.ّف القارئ على الهدف الذي أبتغيته من إصدار كل كتاب.. وهي كتب تنوعت مواضيعها وأغراضها ووظائفها.. مقدمة واحدة ووحيدة اخترت عامدا.ً متعمدا.ً أن يكتبها لكتابي الذي كرسته للمقاومة وصدر في عام .1985.، رفيقي وصديقي القائد الأساسي لجبهة المقاومة ومطلق فكرتها الشهيد جورج حاوي.. ثم أنني حاولت أن أتجنّب قدر الإمكان كتابة المقدمات لكتب أصدقائي مع بعض الاستثناءات.. ولكل قاعدة استثناء.. وقد حرصت في هذه المقدمات ألا أغوص في متن تلك الكتب.، وألّا أدخل في السجال مع أصحابها في آرائهم وفي مواقفهم.، إلّا حين كانت تقتضي الضرورة ذلك باسم الصداقة التي تربطني بالمؤلف.. وأعترف لصديقي العزيز يوسف مرتضى أنني لم أقرأ كتابه من الدفة إلى الدفة كما تقرأ الكتب.. ولم أدخل عميقا.ً في أفكاره وفي تحليلاته للأحداث التاريخية القديم منها والحديث في عالمنا العربي وفي العالم.. ما فعلته هو أنني تصفحت الكتاب من أوله إلى آخره.، صفحة إثر صفحة وفصلا.ً بعد فصل.. وتكونت لدي.ّ من خلال هذا النوع من القراءة السريعة فكرة عامة عن الكتاب.، فكرة تسمح لي بالقول بأن الكتاب يستحق الاهتمام من قبل القراء وتستحق أفكار واجتهادات مؤلفه أن تناقش.، في الاتفاق وفي الاختلاف.. كما تكونت لدي.ّ بعض الملاحظات العامة..
إلّا أنني أود.، قبل أن أدخل في تقديم ملاحظاتي.، أن أتحدث قليلا.ً عن مؤلف الكتاب.، ليس فقط باسم المهمة التي يتطلبها التقديم للكتاب.، بل أساسا.ً باسم معرفتي بيوسف مرتضى منذ عدة عقود.، معرفتي الشخصية والنضالية والفكرية والسياسية.. فمن حقه علي.ّ أن أقول عنه ما أنا مقتنع به عن معرفة عميقة وتاريخية به وبسيرته النضالية والفكرية.، ليس لأنه بحاجة إلى تعريف.، فهو معروف.. بل لأنني أريد أن أقول عنه للقارئ ما قدمته لي صداقة ورفقة نضال طويلة داخل أطر الحزب الشيوعي اللبناني الذي أعطاه كل منا على امتداد حياته القسم الأعظم من حياته..
جاء يوسف مرتضى إلى الحياة من قرية بقاعية كان لي فيها من عائلته بالذات عدد من تلامذتي عندما كنت أمارس التدريس في مطلع شبابي .(.1950-.1952.) في مدرسة شمسطار الرسمية لطلاب السنة الأولى تكميلي.. لا أعرف كيف صار يوسف رجلا.ً. ولا أعرف المراحل التي تدرج فيها ليصبح في مطلع شبابه عضوا.ً في الحزب الشيوعي اللبناني الذي كنت لعدة عقود عضوا.ً في صفوفه ثم عضوا.ً في قيادته.، ثم عضوا.ً (وهذا شرف أعتز به.) في مجموعة الشباب الذين خاضوا معركة التجديد في الحزب في منتصف ستينيات القرن الماضي..
عندما تعرفت إلى يوسف كان قد صار كادرا.ً نشيطا.ً في الحزب في الضاحية الجنوبية.، ومناضلا.ً شجاعا.ً في صفوف المقاتلين الشيوعيين على الجبهات كلها.، بما فيها جبهة المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي.. ثم صار.، خلال ثمانينيات القرن.، مسؤولا.ً عن منظمة الحزب في الاتحاد السوفياتي.. وقادته المسؤوليات التي ألقيت عليه والمهمات التي كلف بها لكي يصبح عضوا.ً في قيادة الحزب..
فاجأني في العقد الأخير من تسعينيات القرن الماضي وفي مطلع العقد الأول من القرن الحالي باقتحامه ميدان الكتابة في السياسة اليومية وفيما نطلق عليه اسم وصفة الفكر السياسي.. وكانت مجلة الشاهد الميدان الرحب لممارسة تلك الكتابة.. لم يفاجئني وحسب.. بل هو أدهشني في جرأته في اقتحام مواضيع عربية وعالمية صعبة وشائكة وبالغة التعقيد.. والمفاجأة والدهشة لا تعنيان بالضرورة أنني كنت متفقا.ً معه في جميع آرائه وفي جميع أفكاره.. فالاتفاق ليس شرطا.ً للاعجاب بالكاتب.. فلكل كاتب الحق في التعبير عن أفكاره كما يشاء.. والاختلاف حق.. والإقرار بحق الاختلاف هو الحق الأكبر من بين حقوق الإنسان لا سيما في ميدان التفكير والاجتهاد.. استقل يوسف مرتضى عن انتمائه الحزبي.. لكنه ظل يساريا.ً، ماركسي المرجعية على طريقته.، اشتراكي الخيار والهوى من دون تراجع أو تردد.. واختياره هذا هو حق له.، بمعزل عن الاتفاق معه والاختلاف وبمعزل عن الأسباب التي قادته إلى اختيار استقلاليته.، واختيار شكل وصيغة هذه الاستقلالية.، وتحديد نوع علاقاته باسم تلك الاستقلالية وباسم اجتهاداته الفكرية والسياسية فيها..
ظلت صداقتنا هي ذاتها من دون اهتزاز.، برغم الأعاصير التي شهدتها تحولات كل منا في أفكاره وفي مواقفه وفي علاقاته.، وبرغم الأعاصير التي هبت على اليسار في بلدنا وفي العالم.، وبرغم الأعاصير التي ما تزال تهز الوطن اللبناني في كل جوانب حياته وحياة شعبه المرتهن مصيرهما للطبقة السياسية بتياراته المختلفة المتناقضة المتصارعة فيما بينها على كل شيء.، بما في ذلك على الوطن ذاته وعلى حاضره ومستقبله..
هذا يوسف مرتضى.، وهذه هي معرفتي به.. أما الكتاب فله شأن آخر.. إنه كتاب مهم.. والأفكار والاجتهادات فيه كثيرة.. وكثير منها يستحق النقاش.. ورغم أن قراءتي للكتاب كانت سريعة وعامة كما أشرت إلى ذلك.، فقد تكونت لدي.ّ بعض الملاحظات.. وأسارع إلى القول ليوسف بأن أهم هذه الملاحظات التي أسوقها إليه بحذر تتعلق.، كما بدا لي.، فيما يشبه التناقض بين اجتهاداته التي ألتقي معه في العديد منها.، وبين ما جاء في النص.. فهو ينقد الفكر القومي بحق.، لكنه يكرر في النص بعض المقولات القديمة لهذا الفكر.. وهو ينقد الفكر الاشتراكي القديم بحق.، لكنه يكرر في النص بعض المقولات القديمة لهذا الفكر.. أبدي ملاحظاتي بحذر راجيا.ً ألا أكون قد تعسفت في القول..
غير أن أجمل ما في الكتاب.، فيما أمكنني استخلاصه في تلك القراءة.، هو تأكيد يوسف على مجموعة من الأفكار المحورية التي تشير إلى عمق في التفكير وإلى مواكبة متوازنة للمتغيرات التي يشهدها العصر.. أول هذه الأفكار تأكيده على أن دولة الحق والقانون والمواطنة والعدالة الاجتماعية هي الدولة التي ما زالت تفتقدها بلداننا.. ويعب.ّر يوسف عن هذا التناقض بين الحاجة وبين واقع الحال في عنوان أحد فصول الكتاب.: «الدولة العربية جنين لقرن والولادة متعثرة».. الفكرة الثانية هي أن الديموقراطية في الدولة وفي مؤسساتها وفي المجتمع وفي مؤسساته هي الأساس الضروري لتقدم بلداننا.. الفكرة الثالثة هي أن المسؤول الأول عن هزائمنا هو نحن.، أنظمة وقوى معارضة.، من دون التقليل من دور الخارج.، مع الإشارة إلى أن هذا الخارج هو الذي كان وما يزال يستدرج من قبل الداخل ليمارس دوره السلبي في بلداننا.. الفكرة الرابعة هي أن العولمة الرأسمالية التي تعيش مأزقها لا بديل منها إلّا عولمة إنسانية تتمثل بحضارة عالمية جديدة إنسانية الطابع متعددة الثقافات..
تلك هي بعض ملاحظاتي العابرة.، وتلك هي بعض الاستنتاجات التي قادتني إليها هذه القراءة..
يبقى أن أشير في ختام هذا التقديم إلى أن يوسف مرتضى يملك عدة مميزات تؤهله لأن يقدم للقراء ما يمكن ويجب أن يكون من قبل المثقف النقدي أداة وعنوان معرفة تقدم إلى أجيالنا الشابة في هذه الحقبة المهمة من تاريخ بلداننا التي تشكل الثورات فيها الأساس الموضوعي لبناء مستقبل جديد خال من الاستبداد والعسف والتخلف.، مستقبل يحقق لشعوبنا ولبلداننا التقدم والحرية والعدالة الاجتماعية التي طال انتظارها..
كريم مروة

