كتاب " ربيع العرب - صراع محموم بين الدولتين المدنية والدينية " ، تأليف يوسف مرتضى ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب ربيع العرب - صراع محموم بين الدولتين المدنية والدينية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ربيع العرب - صراع محموم بين الدولتين المدنية والدينية
السيطرة على الشرق الأوسط
سيطرة على قلب العالم
.«دولة اليهود.» هي البداية
وجهان متعارضان وملتصقان قي رأس واحد؟!
هناك عند الطرف الشمالي من «السوق الرومانية» في فلسطين يقع معبد جانوس، وكان للرمز الوثني الذي يأويه هذا المعبد وجهان، أحدهما «يواجه الشرق» والآخر «يواجه الغرب».
طبقاً لكلام دزموند ستيورت في كتابه عن تاريخ الشرق الأوسط، فإن هذا المعبد كان يغلق أبوابه في وجه المتعبدين أيام السلم... ولذلك فإنه لم يغلق خلال سبعة قرون قبل ولادة المسيح سوى أربع مرات.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي العام 1948، فتحت البوابة على مصراعيها في ما عرف بتقسيم فلسطين، وما دعاه الغرب بـ: «دولة إسرائيل».
ولكن روح هذه الدولة كانت في غير هذا المكان، وهي لم تستقر فيه إلّا لأسباب مشبوهة.
عقلان منفعلان سيلتقيان مع الكتب لبضع ساعات.، دون أن يرى أحدهما وجه الآخر؟.!
و.ُلد .«ثيودور هرتزل.» لأبوين يهوديين في الثاني من شهر أيار العام .1860.. وكانت بودابست الواقعة على نهر الدانوب هي العاصمة التي سيعيش فيها طفولته وشبابه.، متلاطما.ً بين .«بحرين غير متكافئين.»: التقاليد الدينية اليهودية المغلقة.، والثقافة الألمانية الآخذة بالانتشار الفلسفي.، بصفته الأكثر إبداعا.ً وإنتاجا.ً للمذاهب العقلية والمادية والجدلية..
ولما كانت فيينا هي العاصمة المركزية للاستقطاب الجرماني.، وبما ينطوي عليه من تفاعل ثقافي.، فإن ثيودور الطالب وجد فيها ضالته المنشودة.. وهكذا انتقل إليها هو وأسرته في العام .1878.، ولكنه بدلا.ً من دراسته للأدب والمسرح الألمانيين.، اختار الاختصاص في ما له معنى .«المهنة.»، كلية الحقوق..
في هنغاريا .1867.، كان اليهود الذين يشكلون خمس سكان العاصمة.، وبموجب تعديل دستوري فرضه الرأي العام.، يتمتعون بحريات عامة حقيقية.، ولكن في عاصمة آل هامسبورغ.، فإن المائتي ألف يهودي المستحوذين على الثروات والقطاعات الاقتصادية الحساسة.، أثاروا نفور النمساويين.، وجعلوا السكان يرتابون بنواياهم ونفوذهم.... وبالفعل فإن .«أكبر عدو لليهود في العصور الحديثة إنما كان نمساويا.ً». ففي ما عدا .«لون الجلد.» والقدرة على التخاطب بلغة واحدة.، فإن كل ما يتبقى عند الجاليتين يفترق افتراقا.ً تاما.ً: كاثوليك ويهود... انفتاح وانغلاق... انتشار وغيتو... إنتاج وربا... وكلها كانت بادية للعيان لا في بلد فرانز جوزيف وحسب وإنما في أوروبا كلها.، ولكن المسألة وبمفارقة تاريخية ستشغل عقل .«ثيودور هرتزل.» وعقل أدولف هتلر في آن معا.ً.
بالنسبة للأول صدمه أن يرى في فيينا هذا العداء لليهود.، فما كان منه إلّا أن لجأ للكتب في محاولة لمعرفة الأسباب..
وأما بالنسبة للثاني.، الذي انتقل من بلدة لننر النمساوية بعد وفاة أمه إلى العاصمة.، فإنه أيضا.ً لجأ إلى الكتب ليعرف أصل ملامح .«هؤلاء الناس.» بعد أن صدمته رؤيتهم وهم يلبسون القفطان....» أيعقل أن يكون هؤلاء من الألمان؟.»... هكذا .«بدأ يتأملهم خلسة.» ويسأل..
عقلان يمثلان إذن.، دافعين مختلفين.، إزاء مشهد واحد.:
أسباب العداء للسامية ـ كما بدا هرتزل باحثا.ً ـ وأسباب تمايز .«اليهودي الفاسد عن الألماني النقي.»، كما بدا هتلر متسائلا.ً.
وكانت النتيجة التي توصل إليها «اليهودي النمساوي.» هي أن اللاسامية العنصرية أخطر من «التعصب الديني.»، في حين أن الثاني توصل إلى قناعة مفادها .«أن اليهودي مهما كانت عقائده لا سبيل إلى معالجة فساده.».
وقد كان من تداعيات هذا الصراع بين الفكرتين المتناقضتين ولادة نتيجة ثالثة.، كانت فلسطين العربية ضحيتها..
كان العداء لليهود قد و.ُجد في الأساس منذ أن بدأت الكنائس المسيحية تعمل على استقلالها من الأصل اليهودي.، بيد أن أوروبا كانت قد تأثرت بظهور أحد رسل المسيح الذي .«شكل تحوله من اليهودية إلى المسيحية.» أحد أكثر حوادث التحول إثارة في التاريخ.: إن .«شاوول اليهودي.» الذي اضطهد الكنيسة سيحمل اسم بولس ليصبح من أكثر المدافعين عنها..
لقد غضب بولس على اليهود لأنهم .«هم من قتل السيد المسيح.» بل .«والأنبياء أيضا.ً». ولأنهم .«يضطهدوننا بما لا يرضي الله.» فإنهم قد .«أصبحوا أعداء للجنس البشري.».
وفي العام .1581 سيحيي البابا غريغوري الثالث عشر الخطيئة التي ارتكبها اليهود برفضهم المسيح.، و«دورهم اللئيم.» في عملية .«تعذيبه وصلبه.».
وأما في فرنسا فإن عاصمتها باريس كانت قد أصبحت .«مسرحا.ً جديدا.ً للحركة اللاسامية.»، وفي العام .1885 سيقوم إدوارد درمونت بنشر كتاب عن «فرنسا اليهودية.» والذي سيأتي تعبيرا.ً عن كل الذين امتعضوا من موقف الثورة الفرنسية إزاء اليهود.: إن يهود فرنسا ـ يقول درمونت في كتابه ـ .«استغلوا توسع النظام الاقتصادي لمصلحتهم الخاصة.» وكان هدفهم من ذلك هو .«السيطرة على العالم» إنهم «كممثلين للرأسمالية الدولية قد خلقوا في كل مكان صناعات كبيرة حطمت الطبقة الوسطى.، وها هم قد.: «جمعوا الثروات في أيدي حفنة من اليهود ومنهم روتشيلد.». ولأن هذا هو دأبهم فقد أوصى بـ «مصادرة أموالهم لتوسيع وسائل الإنتاج حيث .(يستفيد.) الفقراء المست.َغ.َلون.».
لقد ن.ُسبت أفكار درمونت إلى نزعته اليمينية.، ولكن كارل ماركس اليساري وجد في نظره إلى التاريخ:» بأن كل طاغية يدعمه يهودي، وكل بابا يدعمه يسوعي. والواقع أن رغبات الظالمين لا تتحقق، وأن الحرب لا تكون ممكنة، ما لم يكن هناك جيش من اليسوعيين يكبت الفكر، وقليل من اليهود ينهب الجيوب».
وفي أسباتيا كانت مذابح محاكم التفتيش قد طالت بسيوفها ومشانقها اليهود والعرب على حد سواء.. وأما في بريطانيا فإن الطبقة العليا الإنكليزية كانت مصابة بالخوف من الأجانب وكرههم ومن ضمنهم اليهود.. وفي روسيا.، كان العداء للسامية يتصاعد عقب المذابح سنة .1881.. فقط في الديار الإسلامية عرف اليهود حياة مستقرة وبلا اضطهاد.، ذلك أن الدين الإسلامي تعامل مع اليهود بصفتهم من أهل الكتاب..
يقول دزموند ستيورت.: إن اليهود الذين سكنوا فلسطين كانوا من السفارديم الذين طردهم الملوك الكاثوليك من إسبانيا.، أما البقية من اليهود الذين لجأوا إلى الأقطار العربية.، وإن كان بعضهم قد أخذ الجنسية العثمانية.، إلّا أن الأكثرية المطلقة عاشت حياتها الطبيعية مع السكان العرب الأصليين.: تكلموا لغة العرب.، وأكلوا من أطعمتهم.، ولبسوا من ثيابهم.، غنوا واستمتعوا بالموسيقى العربية.، ما عدا تلك الفئة التي يعود نسلها إلى «الأشكيناز.» التي جاءت من أواسط أوروبا في القرن التاسع عشر... كل واحد من هؤلاء لبس قفطانا.ً ووضع على رأسه قلنسوة.، وأرسل شعره ضفائر طويلة.، وكانوا مع ذلك مقبولين من العرب.، حيث لم يدهشهم أيضا.ً أن تحلق اليهودية المتزوجة شعر رأسها وأن تستعمل شعرا.ً مستعارا.ً ولا أن يلبس اليهودي ضفائر الصلاة ولا أن يتلقى تعليمه في مدرسة يهودية.. وتتواتر الروايات.:

