كتاب " ربيع العرب - صراع محموم بين الدولتين المدنية والدينية " ، تأليف يوسف مرتضى ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب ربيع العرب - صراع محموم بين الدولتين المدنية والدينية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ربيع العرب - صراع محموم بين الدولتين المدنية والدينية
من أجل هذا الحل كان تجاوب الدول المعنية هذه مع إبرام عهود واتفاقيات في ما بينها سريعا.ً وفوريا.ً: كل دولة من هذه الدول استشعرت بالخطر الألماني.، الصناعي والعسكري.، الذي بدأ يهددها.. ومع إضافة خطر استحواذ .«الرجل المريض.» في مشفى القيصر غليوم الثاني.، فإن القلق تحول إلى كابوس..
لقد بقي بسمارك لسنوات طويلة .«متبنيا.ً سياسة التدخل في المسألة الشرقية.»، ولكن القيصر غليوم تبنى سياسة نقيضة حيث اختار .«الزحف شرقا.ً» بأدوات المساعدات العسكرية والاقتصادية والثقافية.، وحتى النفسية.، بدلا.ً عن خيار التقاسم أو .«الزحف فاتحا.ً».
كتب ستون.-وتسون يقول.: «لقد ظهر أثر النفوذ الألماني في استانبول من خلال إعادة تنظيم الجيش التركي على أيدي ضباط ألمان.، وفي نفاذ ألمانيا تجاريا.ً إلى آسيا الصغرى.».
ويضيف وايد دافيد.:«إن الدولة الوحيدة التي سعى السلطان عبد الحميد إلى مصادقتها بإخلاص ومثابرة كانت ألمانيا.».. أما سبب هذا السعي الحثيث.- كما سيكتب السلطان نفسه.- يعود إلى.، «أن ألمانيا كانت أقل الدول انتفاعا.ً من انحلال السلطنة العثمانية وتجزئة ممتلكاتها.»، ثم إن وجود مصالح اقتصادية لها في بر الأناضول والعراق يعطيها الدافع والذريعة للتدخل.، إذا ما تعرضت هذه .«المصالح المركزة تركيزا.ً استراتيجيا.ً» للخطر والتهديد.. ولكن كان لهذا المنطق تداعيات أخرى..
لن يكون في وسع المرء أن يتغاضى عما كان ينطوي عليه .«الزحف الألماني شرقا.ً» من معنى استعماري.، فإذا كان القيصر الألماني غليوم الثاني قد عرف كيف يستحوذ على عاطفة السلطان عبد الحميد خان الثاني.، الغارق في عزلته ووحشته وحالات انجذاباته النفسية إزاء ما يحيط به من دسائس ومخاطر.، فإن ذلك لا يعني أن العرب شعبا.ً وأرضا.ً كانوا ملكا.ً له.... ولم يكن القيصر ليجعل ذلك ولا السلطان..
لقد كانت سياسة ألمانيا في هذا الإطار تتماهى عن قصد أو غير قصد مع سياسة نابليون بونابرت عندما قاد حملته إلى مصر.: لقد أعادت ألمانيا اللغة التي خاطب بها نابليون المسلمين.، ضربت مثله على وتر حساس وهي تخاطبهم من دمشق هذه المرة وليس من القاهرة.، كما بدا بونابرت فاعلا.ً : «ليطمئن صاحب الجلالة السلطان عبد الحميد.، وليطمئن معه الثلاثماية مليون من المسلمين القاطنين في أقطار الدنيا.... إلى أنهم سيجدون في إمبراطورية ألمانيا الصديق الدائم لهم.»... كانت هذه بالفعل سياسة ذكية.، بل و«سياسية إسلامية.».
في كتابه عما أسماه .«ذكريات من حياتي.»، كتب الماريشال هندنبرغ يقول.: «إن ألمانيا كانت تبغي خلق وحدة سياسية ودينية في العالم الإسلامي.، وكانت محاولتها هذه مبنية على أسس نفسية.، لقد جاء غليوم الثاني بنفسه ليخاطب الناس وجها.ً لوجه.».... وهذا أيضا.ً ما كان نابليون قد قام به..
وإذا ما كان الإمبراطور الفرنسي قد سعى لمد خط على .«سكة قناة السويس المائية.»، فإن القيصر الألماني غليوم قد سعى لمد خط سكة قناة برية بين تركيا وبلاد الرافدين..
إن .«اللعبة الكبرى.» كانت ما زالت هي إياها.، تدور من فصلها الأول وحتى فصلها الأخير في مسرح الصراع على الشرق الأوسط.. وما كان هذا الصراع.، وهو الآن في ذروته ليغيب عن .«ضباع الوحوش الضواري المتربصة به.».
وفي السياق هذا.، كان ثيودور هرتزل يتحسس بطريقه نحو .«ما يمكن أن يصبح جيفة.»، أو .«فائض غذاء جغرافي.»، غالبا.ً ما تتركه الوحوش الضواري خلفها..
وهكذا.، في « آخر صيف من القرن التاسع عشر أسر.ّ الصهيوني في هامبورغ لصديقه غوستاف كوهن بأن.، «أنفه يشم رائحة ما في قبرص.»، وبأنه قد أعد خطة لتهيئة ظروف .«الوليمة.»، ولكن الأمر يقتضي بعض الانتظار.، ذلك أن .«الأسد البريطاني.» لم يكن قد أنهى «وجبته.».
وبالفعل.، ما إن التقى هرتزل.، جوزيف تشمبرلن وكان وزيرا.ً لشؤون المستعمرات .1902 حتى أثار معه ما يمكن .«أن يتغذى عليه اليهود مما يفيض عن الممتلكات الإمبريالية لبريطانيا العظمى.»...
وكانت جملته الأخيرة هذه قد جاءت في أعقاب اجتماعه مع السلطان الذي بدأ يروي حكايته لوزير المستعمرات.: «كما تعلم يا معالي الوزير فإن المفاوضات مع الأتراك تشبه إلى حد كبير شراء سجادة.(!) فإذا أردت الفوز بها عليك أولا.ً أن تشرب ستة فناجين قهوة.، وثانيا.ً أن تدخن مائة سيجارة.، وثالثا.ً أن تروي قصصا.ً عائلية.... وأخيرا.ً أن تورد من وقت إلى آخر بعض الكلمات الفضولية عن السجادة.»... ولهذا فإن تشمبرلن لم يلتفت إلى مقولة الفائض.، وإنما ركز اهتمامه على السجادة التي ترغب في الحصول عليها؟.... وكان جواب ثيودورهرتزل.: «قبرص والعريش وشبه جزيرة سيناء.». وبعبارة أخرى عرض على الوزير أن .«يشتري.» من إنكلترا حزام فلسطين برا.ً وبحرا.ً، لا فلسطين نفسها.، لأن أصول التفاوض على صفقة تستلزم .– كما قال هو .– تمرير كلمات قليلة عن السجادة المحاك نسيجها من دم صانعيها العرب الأصليين.، والتي لم تكن معروضة من قبلهم للبيع أبدا.ً.
هنا ألمح تشمبرلن أن صفقة كهذه .«ستحدث صرخة عامة.»: إسلام قبرص وما يعنيه هذا بالنسبة لتركيا... اليونانيون القبارصة وما يعنيه بالنسبة لليونان.، وبهويتهم المذهبية ما سوف يعنيه بالنسبة لروسيا.، وأما العريش وشبه جزيرة سيناء.، فإن .«الأمر هو من اختصاص وزارة الخارجية.»... فقط لعدم إحباط الصهيوني أبقى الوزير الباب مفتوحا.ً في اتجاه الجزيرة التي ولدت فيها افروديت.: هل لديك ما تفعله إزاء هذه الجزيرة؟
على الفور كان جواب التاجر لسمساره بأكثر مما تظن.، لقد هيأت بعثة كي ترسل سرا.ً إلى قبرص.، ومهمتها تأمين الأجواء الملائمة لهجرة اليهود إليها.، كما وأن هناك مشروعا.ً لتأسيس شركة يهودية شرقية برأس مال لن يقل عن خمسة ملايين جنيه للإستيطان في العريش وسيناء.،... و«إذا رأى القبارصة ذلك سيسعون إلى تحويل بعض هذا الذهب إلى جزيرتهم .«وهنا.» سيترك المسلحون الجزيرة.، وأما اليونان فسيسر.ّهم أن يبيعوا أرضهم بسعر عال.ٍ ويرحلوا إلى أثينا وتكريت.».
واكتفى جوزيف تشمبرلن بابتسامة ساخرة.، أرادها تعبيرا.ً ملطفا.ً يحل محل العبارة التي أوشكت أن تصل إلى مستوى اليقين.: بأن اليهودي مهما بلغ شأنه لا يستطيع أن يتخلى عن الفساد المعشش في أعماقه..

