كتاب " ربيع العرب - صراع محموم بين الدولتين المدنية والدينية " ، تأليف يوسف مرتضى ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب ربيع العرب - صراع محموم بين الدولتين المدنية والدينية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ربيع العرب - صراع محموم بين الدولتين المدنية والدينية
يحدثنا المؤرخ ابن أياس عن أن الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي.(.996-.1020 م.) أنه أذن لليهود الذين دخلوا الإسلام دون قناعة بالعودة إلى دينهم.، وأنه .– حسب كاتب سيرة ابن ميمون.- ارت.ّد منهم في يوم واحد نحو سبعة الاف يهودي..
ويضيف الدكتور محسن علي شومان.، بأن الجماعات اليهودية التي عاشت في مصر احتفظت بملامح جغرافيتها السكانية نفسها.، وأن مصر المملوكية .(.1250-.1517.) لم تغلق أبوابها أمام أفواج اليهود المهاجرين.، ولا سيما بعد أن اشتد تيار الهجرة إثر طرد مسلمي ويهود الأندلس .1492.، بل واتاحت لهم الفرصة للالتحاق بوظائف البلاط المملوكي..
في العهد العثماني استمر وضع اليهود في مصر.، وعلى وجه التحديد في مدينة الأسكندرية.، على حاله من الاستقرار والأمان..
إن أحوال يهود مصر.- كما يكتب الرحالة اليهودي صامويل جيمسل.- كانت مزدهرة.، وحسب الرحالة الألماني كارستن نيبور عند مطلع ستينيات القرن الثامن عشر كانت طيبة جدا.ً. وطيلة القرن التاسع عشر.، كانت ما زالت تغور مصر .«موطئ قدم للوافدين اليهود عن طريق البحر... وإلى وقت ليس ببعيد من القرن العشرين.، كانت القاهرة.- ما بعد الاسكندرية .– تعج باليهود الوافدين إلى مصر لينضموا إلى اليهود المحليين.، وغالبا.ً ما كان يسمع عن هذه التشكيلة بأسماء ألقابها التي تدل على بلدانهم الأصلية.: المغربي.... الشامي.... الرومي..... الفرنجي.... الأشكنازي.... إلخ.».
على تخوم مصر لم يكن اليهود أقل وجودا.ً وأمنا.ً: ليبيا.، وتواجدهم في طرابلس الغرب.، مصراته.، وغريان.، وبرقة... تونس.، وتواجدهم في جربة وقابس.... الجزائر.، وتواجدهم في وهران وقسطنطينة وتلمسان وتوجرت..... المغرب وتواجدهم في فاس وأمزير..
وكذلك كان الأمر في بلاد الشام.، التي يتعين نطاقها الجغرافي بفلسطين ولبنان وسوريا..
وعن العلاقة بين العثمانيين واليهود أ.ُسقط وصف.: التعايش الوردي.... وما كانوا أقل من هذا في اليمن السعيد..
وإنهم كانوا في كل الأقطار العربية يزاولون مهنهم الحرة.، وكانت مهنة الصيرفة والتجارة بالذهب هي الطاغية على ما عداها من المهن الأخرى.... ومعتقداتهم وشعائرهم الدينية حيث لم يغب الكنيست في أي من هذه الأقطار التي عاشوا فيها..
لم يجداليهود حاضنة لهم كما احتضنتهم هذه الأمة العربية ومعها العالم الإسلامي..
فقط في أوروبا.، وفي الجزء الشرقي منها.، كانت حياتهم .«منفرة.» لمجتمعاتها.، وكانوا هم في الأساس قد ساهموا على هذا المستوى أو ذاك بخلق هذا النفور.، لا من حيث العزلة التي عاشوا فيها في الغيتوات.، وإنما أكثر فأكثر من حيث منظومة التربص بمال أوروبا وبحركتها الدينية والسياسية والصناعية.... كان هذا هو دأبهم في الجغرافيا العالمية التي أطروا فيها تكلتهم.، وهو في حالته الأولية الكئيبة..
وفي كل الأحوال.، فإن تنامي العداء ضدهم.، إنما يرجع لأسباب تفاقمت في أوروبا وكانت أكثر حدية في شرقها ما عدا شرق العرب والإسلام.. وبمفارقة تاريخية قاسية.، فإن هذا العداء سيجري توظيفه ليكون على حساب العرب والمسلمين.!
إن الحركة الصهيونية التي ستجند مؤيدين لها من بين خمسة ملايين يهودي تابعين للقيصر الروسي.، ستعترف الآن بالرجل الذي سيقودها والذي سيجعل العداء ضد اليهود جزءا.ً من مشروعه السياسي.: كما في .«لعبة الجودو».، حيث يستغل فيها اللاعب .«قوى خصمه.» ضده.، استغل ثيودور هرتزل .«اللاسامية.» استغلالا.ً خبيثا.ً، بل وجعل منها .«حشوة تفجير.» أبقت محرك الصهيونية شغالا.ً، إلى وقتنا هذا.... وإلى ما بعد هذا الوقت.، لأن المشروع لن يغطي فلسطين المركزية وإنما سيمتد إلى ما هو أوسع من ذلك.: إلى منطقة تقع في قلب العالم.، انطلاقا.ً من أرض فلسطين التي تقع في قلب المنطقة ذاتها..
والواقع أن هذا الصهيوني المؤسس لم يكن ليتصور في أشد أحلامه نضوجا.ً، أن لعبة .«اللاسامية.» ستكتسب .«قوة نووية.» من فرط تفشي إشعاعها السام في مناطق صنع القرار السياسي العالمي.، وأدواتها في المال والاتصال والسلاح..
مثلما أدعت السلطنة العثمانية بأنها هي مركز «الخلافة الإسلامية.»، أدعت كذلك الإمبراطورية النمساوية.-المجرية بأنها هي «مركز الكاثوليك.» في العالم كله..
ومثلما كانت سلطنة آل عثمان تضم في فضاءاتها شعوبا.ً وإثنيات وقوميات وأعراقا.ً مختلفة .(أرمن .+ يونان .+ بلغار .+ رومان .+...) ضمت إمبراطورية آل هامسبورغ.، شعوبا.ً تنتمي هي الأخرى إلى أنساب وأصول وهويات مختلفة .(الشعوب السلافية.، والتشكية.، والكرواتية....).
ومثلما واجهت البلاد المحاذية لمياه البوسفور والدردنيل موجات انتفاضية.، وثورات معادية من .«النصف الأوروبي.» ومن .«النصف الآسيوي.» التي تقع بينهما.، واجهت البلاد المحاذية لنهر الدانوب حركات التحرر إياها.. وهكذا في ما عدا «الفارق الديني.» فإن كل ما تبقى كان يتماثل تماثلا.ً تاما.ً.
وعلى أن هذا الفارق الديني لم يكن لينحصر في الهوية.، وإنما هو يزداد اتساعا.ً وعمقا.ً إزاء الموقف من اليهود.، فهما هنا على ثقافتين متنافرتين.، تجدان أساسهما في المعتقد.، وتستندان «فقهيا.ً» إلى رؤى متناقضة كليا.ً. بل ومرتبطة بالأجواء السياسية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة..
كان موقف تركيا من الأقليات موقفا.ً بعيدا.ً عن التمييز العرقي.، أي طبيعيا.ً ومتسامحا.ً حتى تثور عليها.. وعلى العكس تماما.ً، لم تكن النمسا لتتسامح مع الأقليات اللاكاثوليكية واللاجرمانية.، وكان يزداد كرهها لليهود لأسباب لها صلة بممارسات اليهود أنفسهم .(كما هو دأبهم في أنحاء العالم دون استثناء.): إن .«ثورة المائتي ألف يهودي في النمسا.»، تكونت في صورة ضخمة على حساب مئات الألوف من فقراء الإمبراطورية.، لقد شعر هؤلاء بأنفسهم مندمجين في حركة للاستقطاب الاقتصادي.- الصناعي جرهم جرا.ً لخدمة .«ربا.» سياسي ومالي.، ناشئ عن كتلة لأقلية متماسكة ضد السكان الأصليين.، كتلة لا تندمج إلّا بما هو استثمار.، ولا تعود مردوديته إلّا إلى صناديقها هي.، تبتز.، وتفرض نوعا.ً من تفكير غير أخلاقي.، وغير وطني.، وغير متسامح..
على خلفية ما للمال والقروض وإحكام السيطرة على المصارف العالمية وتجارة الذهب.، والصناعات النوعية الكبرى من تأثير.، بدأ ثيودور هرتزل يضع مخططاته في .«مسودة.» للاختبار والتحرك..
ولكن .«المسودة.» كيما تصبح مؤهلة للإرتفاع إلى مستوى استراتيجي وجد أن كتابا.ً عن .«دولة اليهود.» من شأنه أن يوفر الشروط الأيديولوجية والدينية والسياسية التي يقتضيها الاختبار الميداني من جهة.، والتحرك نحو هدف محدد من جهة ثانية..
وهكذا نشر كتابه عن هذه الدولة.، الذي يظهر .«التآمر التاريخي.» في إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين.. وعلى الفور ستوضع الدولة المزعومة موضع التنفيذ انطلاقا.ً من هرتزل والحركة الصهيونية التي أنشأها هو.، في حركة ميدانية على الأرض ضمت ثلاثة محاور.: بريطانيا .– تركيا .– ألمانيا.، وهي في مؤتمرات راحت تلاحق بعضها بعضا.ً.

