كتاب " ربيع العرب - صراع محموم بين الدولتين المدنية والدينية " ، تأليف يوسف مرتضى ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب ربيع العرب - صراع محموم بين الدولتين المدنية والدينية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ربيع العرب - صراع محموم بين الدولتين المدنية والدينية
وكلاهما هرتزل والصهيونية.، كانا في قلب التحولات التي بدأت تشهدها الساحة الأوروبية إزاء ما عرف بتركة .«الرجل المريض.» بدءا.ً من منتصف القرن التاسع عشر.، وكلاهما سيتبادلان الارتباط حول شكل الدولة ومكانها وحدودها.:
.- كانت فكرة هرتزل عن الدولة التي يتطلع إليها .«متشرذمة في نطاق جغرافي.» لا يتعدى فلسطين بصفتها عنده .«أرض إسرائيل الموعودة.». وإذا استحالت فلا بأس أن تكون قبرص أو العريش في سيناء أوأوغندا أو حتى الأرجنتين بديلا.ً عنها.، المهم عنده أن يجد اليهود لشتاتهم دولة تجمعهم.، وأن تكون في الوقت نفسه برعاية دولة عظمى.، كمرحلة أولى.، وبالقانون الدولي لمرحلة ثانية..
بينما كانت فكرة الصهيونية عن هذه الدولة متسعة.، بحيث تشمل أراضي الفرات والنيل.، ومن ثم تنطلق منها لتحقيق .«عالمية لليهود.» تمكنها من النفوذ والسيطرة.، وإدارة نظام عالمي يخدم ما كانت تنسبه إلى الرب فكرة .«شعب الله المختار.».
في الواقع لم يكن ثيودورهرتزل أقل إيمانا.ً بفكرة الصهيونية.، إلّا أنه من كثرة ما قوبل به من تهكم وسخرية جعلاه مترددا.ً ويائسا.ً من إمكانية تحقيق ذلك الحلم بعالمية اليهود.: أولا.ً، لأنها «شبه خيالية.».... وثانيا.ً، لأنها تأتي متأخرة عن .«عالميات.» كانت تتطلع إليها إمبراطوريات أوروبا كل من زاويتها.... وثالثا.ً .– وهنا مربط الفرس.- تستفز من كان ينظر إليها كراع لفكرة .«تأسيس وطن قومي لليهود.»، بل حتى إنها تتعارض مع هذا .«الراعي.» لكونه قد شرع في التفكير بإقامة إمبراطورية بريطانية تغطي بحجمها وقوتها ما يماثل نظاما.ً عالميا.ً للقرن العشرين..
إن .«بريطانيا الفيكتورية كانت في هذا السياق قد بدأت تجهز وتحضر لمثل هذه الإمبراطورية العالمية.: لم تكن سيطرتها على ربع مساحة الكون.، وإحكام قبضتها على الهند.، وتركيز وجودها في جنوب أفريقيا.، ثم إقدامها على احتلال معظم جزر العالم وممراته الاستراتيجية .(الأرجنتين.- قبرص.- جبل طارق.- قناة السويس....) وحروبها في الصين.، واحتلالها أخيرا.ً لمصر والسودان.، وتركيزها على فلسطين واستبعادها من التداول في المسألة الشرقية وتمسكها باستراتيجية فرض سيادتها على البحار من عدن عند مداخل البحر الأحمر وشبه الجزيرة العربية.، إلى رأس الرجاء الصالح.... كلها كانت ترسم الخطوط التي سعت بريطانيا لتكوين خريطة عالمية.، تضع في احتيازها قواعد لعالمية نظامها التي تسعى إليها..
وكانت أعظم القواعد بالنسبة لبريطانيا هي القاعدة التي تجمع الشرق الأدنى مع دول وادي النيل.، وشبه الجزيرة العربية.، وآسيا الوسطى.، أي القاعدة التي ستطلق عليها اسم.: الشرق الأوسط..
ولذا فإن ثيودورهرتزل.، وخلافا.ً للحركة الصهيونية.، سعى .«لاقتطاع بقعة.» من هذه المساحة الشاسعة تكون دولة لليهود.، ولكنها في الوقت نفسه تكون في خدمة متبادلة بين .«المركز اليهودي.» وبين الإمبراطوريات الأخرى.، ما عدا روسيا وفرنسا.!
أما ما هو أكثر من ذلك.، كان عليه أن ينتظر قيام الدولة اليهودية.، إذ بعدها سيتضح المسار الذي بإمكان الحركة الصهيونية أن تتحرك في مداه..
على قاعدة هذا التأسيس سيبدأ مؤسس الحركة الصهيونية رحلاته ولقاءاته و.... تقديم إغراءاته الصهيونية .: المال.، والإعلام.، والخدمات السياسية.- ولاحقا.ً الخدمات العسكرية..
كانت خطوته الأولى عبارة عن رسائل بدأ بتوجيهها إلى عائلة روتشيلد.، ولكي يقنعهم بأهمية ما يفكر به.، فإنه لجأ إلى الضرب على الوتر الحساس.: «أبدا.ً... لن تكون ثرواتكم في مأمن ما لم تقم دولة لليهود.».
وفي رسالة أخرى تعكس بعمق ما يضمر المشروع الصهيوني.، لجأ إلى .«القياس العلمي.»: «إنكم تعلمون بأن البخار لا يولد من غير غلي الماء في غلاية.، واستنادا.ً لهذا فإن الصهيونية والإمكانات التي يمكن أن توفرها إزاء كبح اللاسامية.، هو نوع من الغليان الذي نبحث عنه.، وإذا ما استغلينا قوته.، فمن شأنه أن يوفر طاقة تدير محركا.ً كبيرا.ً. ونحن لا نريد من هذا المحرك إلّا أن ينقل الركاب والبضائع إلى مرفأ نريد أن تكون مراسينا راسخة في حوضه.».
وفي رسالة ثالثة احتفظ بها .(كشف عنها لاحقا.ً)، كتب ما يعكس حلمه حول .«تأسيس جمهورية يهودية ارستقراطية كالبندقية.».
ولكن عندما طرح عليه السؤال المتعلق بالسكان الأصليين.، كان جوابه بأن.، «لدينا خطة محكمة ومنهجية لطرد السكان إلى ما وراء الحدود.».
ويومها كان عدد الفلسطينيين لا يقل عن .650 ألف نسمة.، في حين لم يكن عدد اليهود ليتجاوز بضعة آلاف..
كانت الحصيلة الأولى من رسائله هي .: الإهمال..
فلا روتشيلد اهتم بها.، ولا الألمان الذين لن يجدوا فائدة في.، «رجل لم يعرض المال.، وليس لديه عسكر.!».
وأما البقية التي نمي إليها خبر الرسائل.، فتعاملت مع أفكاره بكثير من التردد والخوف.، ولم يصدقوا أن رجلا.ً يمكن أن يكون عاقلا.ً وهو يفكر بانتزاع وطن من أصحابه ليملأه بمستوطنين.، أتى بهم من هنا وهناك وهنالك..
ولكن هرتزل كان قد أصبح مثل .«هاملت.» في حالات الانجذاب متعصبا.ً... مشككا.ً، ويخاف من الساخرين.: «إن أصعب معاركي كانت وستكون مع السخرية.، لأنها بطابعها اليهودي تبدو كاستجابة واهية من سجين ليحاول عبثا.ً أن يظهر نفسه بأنه يملك الحرية.»... بهذا راح يدافع عن نفسه.، وبهذا أيضا.ً بدأ يهدد كل من يسخر منه بـ«شن حملة صحفية عليه.».
لقد وجد هرتزل في صديقه الهنغاري .«ماكس نوردو.» آذانا.ً صاغية.. وكانت مفارقة أن يصبح هذا الصديق المعادي لأفكار اليهود من مريديه.:
كانت فكرة نوردو عن الدين اليهودي مليئة بالاستهزاء.، فهو في كتابه عن «كذب حضارتنا التقليدي يصف العهد القديم كأثر أدبي.، بأنه .«جاء متأخرا.ً عن الفيدا.»، وأن كل شيء كتب في أدبياته لا يساوي شيئا.ً مما كتب في الألفي سنة الماضية.، وبأن مبادئه الأخلاقية مغلقة كما يظهر من الانتقام الخبيث المنسوب إلى الله..

