كتاب " في مرايا حانة " ، تأليف حسن ناصر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
هو غريب مثل حمام الساحات
أنت هنا
قراءة كتاب في مرايا حانة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
في مرايا حانة
قال:
ــ لم تمت أنت.
ــ من يدري! كيف أتمكن من إثبات هذا أو نقيضه! أبهذه الركامات من الكتب؟ بالأسماء المندثرة!
بالوحدة الهائلة، الحمى.. بالألم! قل لي أنت هل ترى هنا شيئاً حياً؟
رفع نظارته فكانت عينه الزجاجية موجهة نحوي بالضبط، قوية، صارخة، قاسية كالحرب. أجاب ببطء ودقة:
ــ نعم.
خيـل إليّ أن الصمت امتد طويلاً، عادت إلى الظهور ضحكات وصيحات، أصوات غابرة اندفعت مترددة في الهواء وكأن الغريب حين دخل، كان يسحب وراءه جيشاً من الأشباح والأصوات.ثم انطلق صوته فجأة:
ــ أتدري ماذا حدث؟ كنا تلك الليلة نشعر بحيوية غامضة، لم نكن نرغب في النوم. كنا نتحدث.. نتحدث ونضحك. في الملجأ الأرضي ارتشفنا الشاي. بعد ذلك جاءنا الضيف الصاخب، قنبلة، صاروخ، لا أدري. شيء ما مزقهم جميعاً وأنا أيضاً. بعد ساعات بدأت اليقظة تستعيدني. عرفت أن أصدقائي ماتوا وأنني الوحيد الحي في ملجأ مقصوف. قلت لقد خرّبت جلستنا ولكن لا بأس في الاستمرار. بقيت أحدثهم، أضحك معهم، أسألهم عن إصاباتهم. كان جعفر يمتد إلى جانبي، يسيل الشاي من زاوية فمه كما رأيته في الفجر. قلت له كل ما لم تسمح به الحياة الوجيزة. قرأت رسائله. كانت قصيدتك في جيبه، تركتها له، تركته هناك، تركت الـهناك كله.. وعدت هكذا كما تراني، أعرج بعين من زجاج.
داهمني الدوار وأحسست بقوتي تُستل من عروقي. قال:
ــ لا تكن أحمق.. تماسك..
كانت هي المرة الأولى التي أسمع فيها تفاصيل موت صديق. خرز مسبحته السوداء يلتف على أصابعه. نهض يسحب رجله البلاستيكية. التفت نحوي متسائلاً:
ــ هل سيكون جعفر هنا غداً؟
قلت:
ــ ربما.
حين رفعت أصابعي إلى الأزرار لأطفئ المصابيح، كانت الكتب تبدو خاملة تغط في نوبة موت!
1995