أنت هنا

قراءة كتاب في مرايا حانة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في مرايا حانة

في مرايا حانة

كتاب " في مرايا حانة " ، تأليف حسن ناصر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
هو غريب مثل حمام الساحات

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

ضرورة شعرية

مجموعة أوراق تُنبئ هيئتها عن رحلة شاقة،ترقد في الدرج. لن أحتاج إليها بعد أن تحولت كلياً إلى ذاكرتي، وأصبح لدي نسختي الخاصة منها ورؤيتي لألوانها وأشخاصها والمناخات التي أحاطت أحداثها بمدينة لديها من السلام ما يكفي للتأمل.

لعبة أحلام لأشخاص تداولوها وسجَّل كل منهم إضافاته عليها! شذرات تنامى في داخلي مع الوقت التزام بتجميعها، بتوشيجها واقتراح صيغة لها!

أعمدة تلتف على المتن،هوامش تزيد من حدة التداخل الذي حملته الأوراق.

لا ريشة تتمكن من تهذيب حافاته القاسية وتبسيط أوجهه. لهذا مازلت أشعر بتلكـئها، باستعصائها على التبسيط وإن بدت لي واضحة بما يشبه اليقين.

الأمر الذي غشي هذه الأوراق هو صعوبة القبض عليها بالوصف.

أحلام ما أن يبدأ الإنسان بوصفها حتى يتلاشى شغفه بالاستمرار، لإدراكه أن الوصف ينال من قوتها ويصيبها بلوثة الركاكة. هكذا تدحرجت هذه القصاصات من خلوات ومكابدات آخرين صرفوا معها وقتاً طويلاً دون أن يفضحوا سريتها، تدحرجت حتى وصلت إلي. وإذا ما كنت الآن أبدأ بكشفها، فليس ذلك لرغبتي في كشفها بل لأنها بدأت تتوق إلى الانكشاف.

لا أذكر كيف أنتهت إلي. لأفترض أني فوجئت بها أمامي كهدية من صديق أو قريب جلبها من مدينة مهدَّمة..هل حدث هذا بالفعل؟

ربما جُلبت من مدينة أبي الخصيب في عام 1986 خلال الحرب، حيث استخدمت قوة من الجيش المكتبة العامة في المدينة المهجورة لتجعلها ثكنةً مؤقتة.

حمل الجنود الأثاث المحطم خارجاً وشيدوا خرائطهم في أحشاء المكتبة. لم يكونوا أسعد حالاً من الذين حولوا المقبرة إلى ثكنة! لم يعرفوا أن الكتب التي تحتشد على الجدران بصفوف غير متراصة ربما كانت أكثر ترويعاً من القبور، وما ينطلق من بطونها أدهى ممّا قد ينطلق من بطون قبور!

لا أذكر منْ حملها إلي وبأي دافع. لا أتذكر ما الذي آل إليه الرسول الشاحب. لهذا اعتمدت على ما كنت كتبته من ملاحظات كبديل لشيء آخر ربما حدث!

مجموعة من الأوراق أفترض أنها قصة. كتبها شخص ما في وقت ليس من السهل تحديده. زخرف من خطوط وأقلام مختلفة. الملاحظة التي كتبتها وبقيت أمامي عن الرسول الشاحب الذي جلبها لي، تقول:

((كان ناحلاً، شاحباً كأنه خرج تواً من نقاهة أمضاها في الظل. تساءلت مطيلاً النظر إليه: من أين لعائدٍ من الحرب هذا الشحوب؟

ألقى الأوراق أمامي على عجل ومضى. كأنه عاش ليلقي بهذا الطلسم هنا ويغادر. لا شك لدي الآن، لا شك البتة في أنه ميت غداً!))

هذه قوة الطبيعة. تخطو خارج الدار فتلامس جسمك لتبدد بقايا الدفء التي ادخرتها من طول الاسترخاء في سحابات البخور. يبدو الأمر في البداية حساً حميماً بالمشاركة. الهواء يلوذ بدفئك. لكنه يتحول سريعاً إلى إرادة صارمة بإنهاء العرض من عدم التوافق. الهواء يبدد في سعته الدفء لأنك خاضع لقانونه.يبدد خاصتك في شموله.

الصفحات