أنت هنا

قراءة كتاب السيرك

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السيرك

السيرك

رواية "السيرك" للكاتب والصحفي الفلسطيني علاء حليحل، والحائزة على جائزة مؤسّسة عبد المحسن القطان للرواية عام 2002، الرواية كما يقول الكاتب: "هي عبارة عن توليفات متقاطعة لعدة شخصيات، ولكن من ورائها أسئلة ومقولات تخصّ الهوية الفلسطينية ـ العربية في داخل مناطق

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: علاء حليحل
الصفحة رقم: 7

"هل أفزعتك؟"... اقتربت منه وجلست إلى الطاولة قبالته. "نعم." "متأسفة." "لا بأس، أنا معتاد على هذا." صمتٌ. كانت "الناقدة الفنية" تفكر في سؤاله عن الصبية ولكنها خشيت من جوابٍ جافّ. كان هو يفكر بأن يسألها عن حيثيات وجودها في فراشه عارية ولكنه خشي من غضبها لأنه لا يتذكر ذلك. الماء يغلي. قام ووضع الغلاية على الرخام المهترئ وأنزل علبتيْ السّكر والقهوة وانغمس في صنع القهوة. رنّ الهاتف. "ليس الآن"، قال متذمرًا. "لا عليك، إذهب أنت، أنا سأكمل صنعها." "شكرًا." هرول إلى الصالة. "آلو... أهلا عباس، أين أنت؟.. لماذا في الجريدة، ما الساعة؟... نعم، تذكرتُ أنّ الساعة الثالثة... ماذا؟.. لا أبدًا، ماذا حصل؟.. لا أدري... إهدأ أنت ولا تتسرع بتخيلاتك هذه.. ربما نامت عند صديقة لها... ما المانع يا أخي، ألم تنم أنت عندي مئات المرات؟ ماذا؟ آه، الآن تقول لي، ولِمَ تشاجرتما؟... ماذا؟ لا أصدق! أنا لا أفهمكما أبدًا.. إعمل ريجيم يا أخي إذا كانت بدايات سمنتك تضايقها... حسنا، إسمع، سآتي إليك إلى الجريدة، ساعة على الأكثر. حسنًا.. باي." كان سمير معتادًا على هذه المواقف. بين الحين والآخر يتحوّل إلى "جاهة صلح" للزوج الأكثر إشكالية على الإطلاق، لكنه لم يكن معتادًا على زيارة عباس في الجريدة، وعباس لم يطلب منه ذلك إلا نادرًا، وهذه المرة الأولى التي يطلب فيها عباس ذلك يوم الخميس، يوم إغلاق الملحق. فعباس لا يملك الوقت "ليحكّ رأسه". "مشاكل؟"، كانت "الناقدة الفنية" تحمل صينية القهوة. "آه"، تنهّد جامعًا رأسه بيديه وانكبّ على الكنبة. "ما به عباس؟" "لا شيء، مجرد سوء تفاهم مع أميرة، لم يدرِ أين نامت الليلة." "فهمت." صبّت القهوة في الفنجانين الكبيرين. ارتشف كل منهما القهوة بهدوء وكلٌ ساهِم في الأرض. بعد دقيقتين أو ثلاث: "ما رأيك فيما حصل؟" "لا أدري. مشاكلهما كثرت في الآونة الأخيرة." "لم أقصد ذلك.. إنما ما حصل بيني وبينك"- وأطرقتْ خجلاً. "أيه.. في الحقيقة..." "أيخجلك الحديث عن ذلك؟" "بعض الشيء." "لم تبدُ لي خجولا أبدًا ليلة أمس"، وأطرقتْ خجلاً ثانية. "فهمتُ"، قال كالهمس. "لم أعتقد أنّ الأمور قد تصل بيننا إلى هذا الحد." إنفجر سمير ضاحكًا كالأبله. بالرغم من المفاجأة التي سيطرت على "الناقدة الفنية" والذهول الذي اعترى وجهها، استمرّ في الضحك واشتدّ حتى تحوّل إلى قهقهة وقحة. "لا.. لا.. لا تفهميني خطأ.."، أخرج الكلمات بصعوبة بالغة وهو يلوّح بيديه نافيًا. "أفهم ماذا؟" كانت عيناه قد دمعتا واسترخى في الكنبة حتى التشنج. لم يسمع السّؤال وربما سمعه. ولكنه لم يستطع الإجابة على أية حال. قامت هي ودارت حول الكنبة ثم توجّهت إلى غرفة النوم وعادت وقد ارتدت ملابسها وربطت شعرها بسرعة، وهو ما زال مستغرقا في الضحك. "لقد.. لقد.. لقد تذكرتُ"... كان يخرج الكلمات بصعوبة بالغة. لم تحتمل هي المزيد فاتجهت نحو الباب وفتحته. انتظرت قليلا وهي تنظر إليه تلك النظرة التي تعني: أتسكت أم أذهب؟! ذهبتْ. طرقتِ الباب بشدة. استمرّ هو في الضحك حتى أنهك تمامًا وآلمته خاصرتاه وفكّاه فصبّ لنفسه المزيد من القهوة وقام يبحث عن نظارته وسجائره. في طريقه من الغرفة إلى الصالة شغّل سخان الماء ومرّر كفه على ذقنه أمام المرآة، توجّه إلى الباب، فتحه ونزل الدرج إلى مدخل البناية، أخذ الجريدة وعاد إلى شقته واقتعد الكرسي في الشرفة وفتح الجريدة ليقرأها. بعد دقائق رنّ الهاتف. "آلو.. أهلا.. أين أنتِ بحقّ السّماء، أين اختفيت؟ ماذا؟.. لقد اتصل بي قبل قليل غاضبًا وخائفًا.. سأذهب إليه بعد أن أستحمّ.. هو في الجريدة الآن.. أرجوك أميرة بحقّ السماء، ماذا لو زاد وزنه قليلا؟.. إذًا قولي له بصراحة إنك مللتِ الحياة معه، أنتما ستتزوّجان قريبًا كما تعلمين، فلا داعي.. أعلم ذلك.. أعلم.. طيب وما دخلي أنا؟.. ماذا؟.. لا أعلم كيف تورّطنا بهذا، لا تبكي الآن.. لا لا لا تأتي الآن، عليّ أن أذهب إليه.. أفضل ما تفعلينه الآن الاتصال به... لحظة، إسمعيني.. هذه صبيانية لا داعيَ لها... اتصلي به وطمئنيه وسأذهب إليه بعد أن أستـ.. لا إصنعي لي معروفا، لا يمكنك أن تأتي.. آه يا الهي كيف استنتجتِ أنني أكرهك الآن؟.. بالطبع وإلا لما كنتُ معكِ.. أعلم أن علاقتنا مُتعِبة ولكن ما الذي يمكننا عمله؟.. وعباس؟.. لا مستحيل! ليست المسألة مسألة تضحية، لستُ دون كيشوت وليست هناك حاجة لأن أكون دون... وليس هذا جبنًا.. أنتِ عصبية الآن، إهدئي وسنتكلم هذا المساء.. يمكنك المجيء هذا المساء.. نعم، عباس يعمل حتى منتصف الليل، اليوم دوريته في المناوبة ويوم إغلاق الملاحق.. ماذا؟.. أحمر، لا، أحمر.. تكفي قنينتان.. باي.. وأنا أيضًا." اتجه إلى الحمام ووضع صابون الحلاقة على وجهه، وأخذ يمرّر السكين عليه بحذر. طُرق الباب. "أهلا ليليان، أين ذهبت؟" "أولغا تصرّ على طردي إذا بلّغت الشرطة." "لا عليك، تعالي أدخلي لنفكّر قليلا." "لا، ليس لديّ الوقت الكافي، عليّ الذهاب إلى الكلية الآن." "حسنا، تعالي عندما تعودين وسنتدبّر الأمر." "شكرًا، باي." عاد إلى الحمام وأخذ يكمل حلاقة ذقنه. أين اختفى غريغوري بحقّ السماء، فكّر وهو يدقّق في إزالة الشعر من تحت أنفه. هل ملّ وقرر الهروب أو الرجوع إلى روسيا؟ لماذا أحضروهم إلى هنا وقذفوا بهم إلى هذه الدنيا الزانية؟.. أين المنشفة؟..

الصفحات