كتاب " شمس القراميد " ، تأليف محمد علي اليوسفي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب شمس القراميد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

شمس القراميد
- جابر، جابر، ساعدني!
أحمل معها السلّة حتى تصعد إلى القطار، وأقول لها:
- لو كنت جابراً لما ساعدتك!
تتركني وتبدأ بالبيع.
ينزل المسافرون القادمون من العاصمة، ويصعد آخرون ينوون السفر إلى بوسالم وجندوبة وغار الدماء، وإلى المحطات الغامضة المتوزّعة بينها.
وحده القطار الصغير الرابط بين قريتنا، كاف الحجر، ومدينة باجة، يظل رابضاً في انتظار النازلين الذين سيلتحقون به من قطار العاصمة، لأنه يؤمّن الربط بين القرية والمدينة.
قطار خشبي صغير مثل مهر أشقر، يصيح في بطنه الدجاج وتلمع حوله عيون بنات آوى، حتى يقرّر التململ من مكانه، فتئزّ ألواحه وتنصفق نوافذه، ويبدأ إيقاعه المزدوج: تشيك تشاك، تشيك تشاك. وبذلك اخترنا جنسيته من صوته فسمّيناه قطار التشيك. يتحرّك فيطير اللقلق فوق المئذنة عندما تبلغه زوبعة الدخان والغبار.
فيه درجة جلد ودرجة خشب.
لكن الجميع يجلسون أينما شاؤوا.
حنون؛ يهدهدك كي تنام.
شقيّ؛ يعابث طمأنينتك بالكوابيس.
مُهْر كسول لا يهرول إلاّ في المنحدرات مُتَباهياً أمام القمم، فتكاد العربات تهوي. لكنه يلهث في المرتفعات فيظلّ الركاب في مكان ثابت لولا معجزة دوران الأرض.
ينزل الباعة من القطار الكبير لأنّه دائما في عجلة من أمره. ويتوجهون إلى القطار الصغير؛ قطار سينتظر كثيراً قبل انطلاقه محمّلاً بالحبوب والبطيخ والدجاج.
تصعد مريم. يصعد العينوس. يصعد أخي. يصعد والدي. ويصعد آخرون.
أقول: أهو قطار حقًّا؟ أصعدوا إليه؟ أم أنني عدتُ إلى الهذيان مرّة أخرى؟
ألوّح للمسافرين في بطنه. وأعيد صياغة سؤالي وفق حركته:
"أنت لا تراني وتغادرني
وأنا لا أراك وأمتطيك
من منا الآخر؟"

