كتاب " مشاهدات في السينما العالمية " ، تأليف جاسم المطير ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مشاهدات في السينما العالمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مشاهدات في السينما العالمية
مهرجان غرناطة السينمائي الدولي..رؤية أولية..
لم تتكون بعد منظومة علاقات سينمائية عربية ذات قيمة أو طاقة لتكون قادرة على التفاعل مع السينما العالمية في سياق تجاربها المتقدمة سريعاً في الاستوديوهات الأوروبية والأميركية.. هذا قول حق وواقعي.
هذه الصورة وضعت نفسها في 9-17 حزيران/يونيو 2007 داخل مهرجان غرناطة الدولي للبرهنة العفوية على أن الطاقة السينمائية العربية وسينما العالم الثالث بصفة عامة يمكنها أن تستجيب وتتجاوب مع ما بلغته مستويات الأفلام الأوروبية.
لا أريد الحديث هنا عن طقوس وعروض الأفلام أو عن الاستنتاجات التي اجتازت اختبارات علاقة السينما العربية مع السينما الأوروبية لكن متابعتي لأخبار المهرجان وفعالياته في جنوب إسبانيا ساعدتني على اكتشاف حقائق جديرة بالانتباه تحمل علامات نجاح عربي هام داخل هذا المهرجان يمكن الإشارة إليها كما يلي:
1 ــــــ أصبح من الممكن القول إن أفلاماً عربية انعكست بقوة داخل المهرجان فقد استطاع يوسف شاهين على سبيل المثال أن يحول أفلامه إلى قوة سينمائية جاذبة لأكبر قدر من المشاهدين من خلال نقاط التألق في عدد منها التي تابعها المشاهدون الإسبان تلقائياً إذ احتشد أكثر من نصف مليون مشاهد إسباني في اليوم الأول لمهرجان غرناطة الدولي الأول لمشاهدة أفلام هذا المخرج العربي ــــــ العالمي يوسف شاهين التي بهرتهم مثل «باب الحديد»، و«اسكندرية ليه»، و«حدوته مصرية»، و«أنت حبيبي»؛ وذلك في ساحة الكاتدرائية وصالة مسرح غرناطة وصالة المكتبة الأندلسية. وجرى تكريم يوسف شاهين (81 عاماً) في هذا المهرجان أيضاً معترفاً به كمخرج عالمي ضمن فعاليات دورته الأولى التي عرفت باسم مهرجان غرناطة الدولي.
2 ــــــ تحقق خلال المهرجان هدف إيجابي له وزنه وتأثيره في العلاقات السينمائية الأوروبية ــــــ العربية مستقبلاً إذ ساعد هذا المهرجان بالذات سواء في عروض أفلامه أو في لقاءاته أو ندواته على التبادل المعرفي السينمائي بين أقاليم الجنوب الأوروبي والعالم الثالث مما يوفر فرصاً واسعة لفتح أبواب إسبانيا وأوروبا عموماً على صناعة الأفلام السينمائية في الدول النامية بالجنوب.
3 ــــــ نجح السينمائيون المغاربة في تأسيس فعاليات مهرجان غرناطة الأول وذلك بالنشاط الفعال الذي بذله كل من المخرج والممثل جيلالي فرحاتي والذي حضر إلى جانب المخرج التونسي فريد بوغذير وزميله الجزائري مرزاق علواش، فقد ساهموا جميعاً في لقاءات متعددة في إسبانيا تمهيداً لميلاد المهرجان المذكور الذي حظي بدعم كبير من طرف الحكومة الجهوية للأندلس. هذا مما يساعد على تطوير إمكانيات التعاون السينمائي العربي ــــــ الأوروبي وتقريب المواقف التي تشجع على التفاهم الثقافي، بدلاً من صراع الحضارات، عن طريق البحث الجاد عن مساحات للتلاقي كفيلة بترسيخ جذور ثقافة الحوار تتجاوز حدود الهيئات السياسية.
4 ــــــ الشيء الأهم في هذا المهرجان هو تطوير الوصف السينمائي لأخلاقية التسامح بين الناس فقد جرى تركيز إدارة المهرجان على ضرورة تحويل الوظيفة السينمائية بمشاركتها بدرجات عالية من الوعي لوضع الأحاسيس البشرية جميعها في خدمة التعاون الإنساني من أجل مستقبل أفضل للجميع وقد أشار مدير المهرجان نفسه خوسي سانتشيز إلى أن اختيار غرناطة لاحتضان مهرجان سينما الجنوب جاء لكونها تعتبر أرض «التسامح والإخاء» التي تعايش على أرضها طيلة قرون شعوب تنتمي للديانات السماوية الثلاث.
5 ــــــ من طرائف المهرجان وليس من غرائبه أن إدارته وضعت جوائز لــــــ «الصور الفوتوغرافية» بموازاة الجوائز السينمائية للأفلام الفائزة إذ استقبل المنظمون قبل تاريخ بداية المهرجان صوراً فوتوغرافية لأشخاص يحملون في تقاسيم وجوههم أحاسيس مختلفة تعبّر عن الضحك أو البكاء أو الحلم على أن يمنح صاحب أحسن صورة ألف تذكرة لولوج قاعات السينما.
تقع مدينة غرناطة جنوب إسبانيا وهي آخر قلعة استقر بها المسلمون الذين افتتحوها عام 711 م وكانت تضم آنذاك جميع أراضي شبه الجزيرة الأيبيرية، إسبانيا والبرتغال حالياً، ولم يخرجوا منها إلّا بعد حروب طاحنة سقطت على إثرها آخر ممالك الطوائف غرناطة في أيدي الإسبان عام 1492م. وجاء في المطبوعات التي وزعها المشرفون على تنظيم هذه التظاهرة الفنية والثقافية الأولى من نوعها في إسبانيا أن الخيار وقع على مدينة غرناطة التاريخية العريقة لاحتضان المهرجان نظراً لقدرتها المتجددة على أن تدمج في حضنها كل الأقليات الثقافية والدينية التي تعيش حالياً بين ظهرانيها.
وضّح القائمون على تنظيم المهرجان أن مستشاري الثقافة في الحكومة الأندلسية الإقليمية قرروا تنفيذ هذا المشروع الطموح في إطار الإجراءات الجديدة الرامية إلى تنمية القطاع السمعي ــــــ المرئي في الإقليم.
إن «مهرجان غرناطة لسينمات الجنوب» فعالية سنوية تتخصص في إنتاج البلدان الآسيوية والأفريقية والأميركية اللاتينية، وإنه سيولي اهتماماً خاصاً كذلك بالعالم الإسلامي.
ينقسم المهرجان إلى قسمين: واحد رسمي ذو طابع تنافسي مع جوائز وآخر متجول (إعلامي) يكون واجهة لعرض الأعمال الأكثر إثارة للاهتمام المنتجة في سينمات الجنوب. ويتكون كل قسم من 15 فيلماً على الأكثر، تُعرض بوتيرة فيلمين لليوم الواحد ضمن أحد القسمين. ويعيّن «مهرجان غرناطة لسينمات الجنوب» كل سنة لجنة تحكيم دولية تضطلع بمهمة منح الجوائز.
ثلاث قيم رئيسية يمكنني أن أسجلها لمثل هذا المهرجان:
ژ1 أولاً هناك تثمين للأفلام التي تتناول قضايا السلام بين الشعوب.
ژ1 والقيمة الثانية أن تطوير العلاقات بين رجال السينما في العالم الأوروبي والعالم الثالث يقدم المصداقية للنتاج السينمائي الإنساني.
ژ1 والقيمة الثالثة أن المهرجان يساهم في ترتيب الوشائج على شكل تصاعدي لمتابعة ودراسة التجارب السينمائية المختلفة.
بصرة/لاهاي 16/6/2007